عددها إلّا اللّه تعالى، و لا يمكن أن تجتمع
تلك الفضائل في شخص واحد موفّرة كما بيّنّا من امتناع ارتياض النفس الواحدة بجميع
أصناف العلوم، مع قصر العمر و اعتراض العوائق، و لأن كلية العلوم موضوعة بإزاء قوى
جميع الناس، كما أن كلية الصناعات موضوعة بإزاء قوى جميع الصّنّاع.
و لكن يجب للإنسان أن يختار الأولى و الأشرف و الأفضل، و ذلك أن
العقلاء هم أفاضل الناس، و الإنسان أفضل من الحيوانات، و الحيوان أشرف من النبات،
و النبات[1] الأركان و
مخّ طبائعها، و الإنسان صورة مختصرة من جميع صور الحيوان، و هو المجموع فيه أمزجة
قوى النبات، و خواصّ المعادن، و طبائع الأركان و الموّلدات الكائنات منها أجمع. و
هذه كلها لا يمكن أن تجتمع في شخص واحد، فتفرقت في جميع الأشخاص هذه الصور، فمكثر
و مقلّ، حتى عمرت الدنيا بهم. فهذا أحد أسباب اختلاف طبائعهم، و اختلاف طبائعهم
أحد أسباب اختلاف تفاوت عقولهم.
و العلّة الثانية في تفاوت الناس في درجاتهم في عقولهم هي خواصّ
جواهر نفوسهم التابعة في إظهارهم أفعالهم لأمزجة أبدانهم. و الثالثة هي كثرة غرائب
علومهم و معارفهم التي لا يمكن أن يحويها كلها إنسان واحد. و الرابعة عجائب
أفعالهم و فنون أعمالهم، و اختلاف صنائعهم و تصاريفهم في طلب معاشهم، و أحكام
تدبيرهم في سياستهم كثيرة لا تحصى، و لا يمكن أن ينهض بها كلها إنسان واحد. و
الخامسة اختلاف أخلاقهم المتضادّة في الحسن و القبح، و مجاري عاداتهم بين الجودة و
الرداءة، مما لا يمكن أن تجتمع كلّها في إنسان واحد. و السادسة نشوؤهم على اختلاف
سنن دياناتهم و تباين مذاهب آبائهم و آراء استاذيهم و معلميهم.
ثم اعلم أن هذه الخصال و المناقب كلّها لا يمكن أن تجتمع في شخص