فاعلم أن لكل حاسة محسوسات مختصة لها بالذات، و محسوسات بالعرض، و هي
لا تخطئ في المدركات التي هي لها بالذات، و لكن في التي لها بالعرض.
مثال ذلك البصر فإن المبصرات لها بالذات هي الأنوار و الضياء و
الظّلم.
و أما الألوان فإن ذلك لها بتوسّط النور و الضياء. و أما سائر
الأجسام و سطوح أشكالها و أوضاعها و أبعادها و حركاتها فهو بتوسط اللون، و ذلك أن
كل جسم لا لون له، لا يرى و لا يدركه البصر.
ثم اعلم أن البصر هو أشرف الحواس و أشدّها تحقيقا لمدركاته كما يقال:
ليس الخبر كالمعاينة، و بين الحق و الباطل أربع أصابع يعني بين العين
و الأذن.
و لكن، مع شرفه و تحقيقه لمدركاته، عظيم الخطإ، كثير الزلل، و ذلك أن
الإنسان ربما يرى الشيء الصغير كبيرا، أو الكبير صغيرا، أو القريب بعيدا، أو
البعيد قريبا، كما يرى الدرهم، في قعر بركة صافي الماء، قريبا كبيرا.
و هكذا يرى في ما وراء البخار الرطب، يرى الشيء أعظم مما هو، فكذلك
ربما يرى الإنسان الشيء المتحرّك ساكنا، و الساكن متحرّكا، كما يرى من يكون في
الزورق إذا نظر إلى الشطوط، فإنه يرى الأشخاص الساكنة متحرّكة، و يرى نفسه و من
معه ساكنا.
و هكذا ربما يرى الشيء المستقيم معوجّا، و المنتصب منكوسا، كما يرى
العود المنتصب في الماء. و ربما يرى الشيء المرتفع منخفضا، و المنخفض مرتفعا، كما
يرى سقف الرّواق و أرضه في البعد متقاربين، و ما شاكل هذه الفنون، كما ذكر عللها
في كتاب المناظر بشرح طويل. و إذا كان الخطأ و الزلل، الذي يدخل على الإنسان
العاقل المميّز من جهة مدركات البصر الذي هو