الشكل هو صورة جسمانية، و اللون صورة روحانية، و هما جميعا موجودان
في الأشياء كلها، إذا تأملها المتأمل، فيكونان في جنس الثمار، يعني في شكل الثمرة،
موجودين لنضجها و استحالة الرطوبة اللطيفة الرقيقة إلى ما قد بدت لها، إمّا من
ذوات الرطوبة السيّالة، و ذوات الرطوبة المتكثرة، فتقدّم السيّالة لانحفاظ، كالآلة
تقوم مقام لحاء الشجر، لحفظ رطوبتها، و تمنع أن يلحقها الفساد، و الذوات الدهانة
في ترتيبها أن نفس الثمرة تقبلها، و تحفظها لئلا يلحقها الفساد[1]،
و «ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ»
ليطبخ الحرارة الغريزية الكائنة في جميع الثمار، و بلاغا لها فهي لتصير من لا هيئة
غير نافعة إلى هيئة نافعة، لأن غرض الطبيعة إنضاج كل شيء تطبخه بالحرارة
الغريزية، لرطوبات الهيولى، على ما هي مرتبة ترتيب الإله للمنافع التي من أجلها
صار كذلك.
فإذا لم تقدر على ذلك لعرض يعرض لذلك، إمّا لكون الرطوبات غالبة على
الشيء، فتتولد فيه العفونة فيكون دليلا لفساد، و إمّا لكون الرطوبات في الشيء
ناقصة، فيصير ما يتولّد فيه اليبوسة و الخشن، فيكون من ذلك الفساد و بذور النبات
عند ظهورها، و بذور الزرع و الشجر كلها حارّة رطبة، لأن الحرارة في ذلك أكثر من
الرطوبة، و الرطوبة التي فيها مانعة للحرارة.
فلذلك يحدث الطراوة في بدئها.
أ لا ترى إلى فعل الإنفحة[2]
التي تجمّد اللّبن الحليب بفصل حرارته، و اتّباع اللبن لها القبول منها، لأن في
الحرارة قوى جاذبة تجذب الرطوبات إليها للتغذي بها، و تعيش ما دامت المادة من ذلك
باقية. فإذا ازدادت البرودة و الرطوبة