و المرافل لتتميم الخلقة و تكميل الصورة،
فيراها في غاية الحكمة و إتقان الصنعة من الصواب، و ما يتعجب منه أولو الألباب.
ثم إذا فكر في حال الولادة، و كيف ينقلب في الرحم، و تنخرق المشيمة،
و تنقطع تلك الأوتار، و تسترخي تلك الرّباطات التي كانت تمسك الجنين هناك، و كيف
يسيل الدم و الرّطوبات المعدّة التي كانت هناك لمرافقه، و ما تلقاه الوالدة من
الجهد و الشدة، فإنه يرى شيئا يدهش العقل و يحيّر أولي الأبصار و الألباب.
و لكن لما كان من حال ما ينقل إليه الجنين من فسحة هذا العالم و طيب
نسيمه و إشراق أنواره، و ما يستأنف الطفل من العمل في مستقبل العمر من لذة العيش و
التمتع بنعيم الدنيا، و إذا قدّر و نجاه اللّه من ذلك المكان الضيق المظلم الناقص
الحال بالإضافة إلى أحوال هذه الدار من التصرف و التقلب، فيرى أن الحكمة و الصواب
كان في الخروج من هناك.
فهكذا ينبغي لك يا أخي أن تعتبر لتعلم أن حال النفس مع الجسد كحال
الجنين في الرحم، و أن حالها بعد الموت كحال الطفل بعد الولادة، لأن موت الجسد
ولادة النفس، و كذلك ولادة الطفل ليست شيئا سوى خروجه من الرحم، و كذلك ولادة
النفس ليست هي شيئا سوى مفارقة النفس إياه.
فصل في ماهية الحياة
فنقول: اعلم أن الموت و الحياة نوعان: جسداني و نفساني، و الحياة
الجسدانية ليست شيئا سوى استعمال النفس الجسد، و الموت الجسداني ليس شيئا سوى
تركها استعماله، كما أن اليقظة ليست شيئا سوى استعمال النفس الحواسّ، و ليس النوم
شيئا سوى تركه استعمالها.
فأما النفس فحياتها ذاتية لها، و ذلك أنها بجوهرها حيّة بالفعل،
علّامة