فاعلم أنه إذا فكر العاقل العالم في تركيب هذا الجسد و ما هو عليه من
إتقان البنية و إحكام الصنعة، كما ذكر في كتاب التشريح و كتاب منافع الأعضاء بشرح
طويل من عجائب تأليف أعضائه، و غرائب تركيبه، و حسن هندام مفاصله، و كيفية تشعّب
الأعصاب الممتدة على أعضائه و عظامه المؤتلفة عليها، المتمكنة بمفاصلها، المنتشرة
إلى أطراف بدنه، المنشأة منها الأوتاد اللينة الرقيقة للحس و للشعور، و كيفية
تشعّب العروق الواردة التي منشأها من عمق الكبد المنتشرة في خلل اللحم، الموردة
للدم الى أطراف البدن؛ و كيفية تشعب العروق الضاربة التي منشأها من القلب،
المنتشرة في عمق البدن، الموصلة للنّبض إلى أطراف الجسد؛ و كيفية طبقات بنية بدنه
بعضها فوق بعض، كما بينّا في رسالة تركيب الجسد و الأوعية المعدّة للأغراض
المختلفة، لجر المنفعة أو لدفع المضرة؛ و كيفية ابتدائه من النّطفة و تتميمه في
الرحم و نشوئه في أيام الصبا، و تكميله في أيام الشباب، و تنضيجه في أيام الكهولة،
فيرى أنه غاية الكمال و الحكمة و الصواب و الإتقان.
ثم إذا تفكر في أيام الشيخوخة و في ذهاب قوته و تغييرات رونقه و إدباره
و نقصانه ثم هدمه بالموت و تغيّره بعد ذلك بالانتفاخ و النّتن و فساده؛ ثم كيف
يبلى في التراب و يضمحلّ و لا يعرف ما وجه الحكمة فيه، فيتحير و يتشكك و يضلّ عن
الصواب. فمن أجل هذا احتجنا أن نذكر في هذه الرسالة الموت و الحياة، و نبين ما
الحكمة في خلقهما و كونهما.
و اعلم أنه إذا فكر العاقل اللبيب في خلقة الرّحم و حال المشيمة[1] و كون الجنين من النّطفة، و كيفية
ذلك المكان، و ما قد أعدّ هناك من المرافق