و اعلم يا أخي، أيّدك اللّه و إيانا بروح منه، أنه إذا فاضت قوى
النفس الكلية الفلكية في الجسم الكلّي الذي هو جملة العالم الجسماني، ابتدأت من
أعلى فلك المحيط متوجّهة نحو مركز العالم، و سرت في الأفلاك و الكواكب و الأركان
الأربعة و الأوقات الزمانية أولا فأولا، حتى إذا بلغت إلى منتهى مركز العالم،
اجتمعت كلّها هناك، و يكون ذلك سببا لكون الأجسام الجزئية الكائنة الفاسدة التي
دون فلك القمر، و هي الحيوانات و النبات و المعادن، لأنها إذا علت إلى أقصى مدى
غاياتها الذي هو الغرض الأقصى بطول الزمان، و عطفت عند ذلك راجعة، أعني تلك القوى،
نحو المحيط، فيكون سبب بعث الانفس الجزئية الإنسانية الكلية من الأجسام الفاضلة، و
هذا قول مجمل يحتاج أن نشرحه و نبيّن أيضا أن الموت حكمة.
و اعلم أن الحيوانات كلّها تكره الموت و تحب الحياة، و لكن من أجل أن
كثيرا من العقلاء يقولون إن الموت حق، و في ذلك حكمة و لا يدرون ما تلك الحكمة، و
يحتجّون بقوله تعالى: «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ
الْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» و
لا يدرون معنى قوله تعالى و ما المراد في ذلك.
ثم إنهم مع اقرارهم بذلك كلّهم يحبون الحياة و يكرهون الموت، ثم
يذمون الحياة عند تنغيص العيش و يتمنون الموت عند الشدائد، احتجنا أن نبين ما
الموت و ما الحياة، و لم يكره الموت و تحبّ الحياة، و ما الحكمة في خلقتهما.