فمن العلماء من قالوا إن هذه الحروف قسم
أقسم اللّه تعالى بها، و منهم من قال إن كل حرف منها كلمة قائمة بنفسها، مثل ألف:
اللّه، لام:
جبرائيل، ميم: محمد، 7. و منهم من قال إنها حروف حساب
الجمّل، كما جاء في الخبر أن علماء التوراة و رؤساء اليهود اجتمعوا في المدينة و
زعموا أنهم يعلمون حدّ هذه الأمة كم هو بحساب الجمّل، و لأن لها قصة معروفة مشهورة
تركنا ذكرها. و منهم من قال إن هذه الحروف سرّ القرآن و لا يعلم تأويل ذلك إلّا
اللّه. و منهم من قال إن الراسخين في العلم أيضا يعلمون تفسير ذلك لما علّمهم
اللّه تعالى كما ذكر بقوله: «وَ لا يُحِيطُونَ
بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ» «وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا
اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ». و منهم من قال إن
معرفتها أسرار لا يصلح أن يعلمها كلّ أحد إلّا الخواصّ من عباد اللّه الصالحين.
ثم اعلم أن كل هذه الأقاويل مقنع لنفوس أقوام دون أقوام، و ذلك أن في
الناس أقواما عقلاء لا يرضون بتقليد، بل يريدون البراهين و الكشف عن الحقائق و طلب
العلة، و لم؟ و كيف؟ و لما ذا؟ و لا يغنيهم من جوع ما يتأولون من التفسير في هذا
المعنى، بل يطلبون وراء ذلك ما هو أحسن تأويلا، و أبين تفسيرا. و نحن نذكر الآن من
ذلك طرفا، و نشير إليها إشارة حسبما تحتمل عقول هؤلاء القوم من أهوائها.