فنقول: اعلم أن من يريد أن يعلم لم لم ترد من جملة الثمانية و
العشرين حرفا إلّا أربعة عشر حرفا، و لم يزد على خمسة أحرف منها، و ما المراد و
الحكمة في ذلك، فينبغي له أن يبحث و يعتبر جميع المحسوسات المفروضات في سنن
الشريعة، مثل الصلوات الخمس، و الزكوات الخمس، و أن شرائط الإيمان خمس، إذ بني
الإسلام على خمس، و الفضلاء من أهل بيت النبوّة خمسة، و واضعو الشريعة خمسة، و
مراقي منبر النبي خمسة، و ما شاكل هذه المخمّسات في أمور الدين و الشريعة و
أحكامها، و ما يحققها أيضا من المعدودات المخمّسات مثل الكواكب الخمسة السيّارة
التي لها رجوع و استقامة، و مثل الحواسّ الخمس في الحيوانات التامّة الخلقة، و مثل
المخمسات في خلقة النبات، و ما في أسماء الأيام الخمسة من جملة السبعة، و الخمسة
المسترقة من جملة أيام السنة، و ما شاكل هذه المخمسات في الموجودات المطابقة بعضها
بعضا.
و يعتبر أيضا خاصّيّة الخمس من العدد لأنها عدد كريّ، و يقال إنها
عدد دوائر، و أنها تحفظ نفسها و ما يتولد منها، كما بيّنا في رسالة الأرثماطيقي، و
الأشكال الخمسة الفاضلة المذكورة في كتاب أقليدس، و النسبة الخمسة الفاضلة في
الموسيقى، و ما شاكل هذه الأمور من المخمسات. فإذا اعتبر اللبيب العاقل هذه
الأشياء التي ذكرنا و تأمّلها، فعسى اللّه أن يفتح قلبه و يشرح صدره، و يوفقه
لعلمه علل الموجودات و أسباب المخلوقات، و ما الحكمة في كونها على ما هي عليه
الآن.
و هكذا ينبغي لمن يريد أن يعرف سرّ هذه الحروف التي هي في أوائل
السّور، لم كان منها أربعة عشر من جملة ثمانية و عشرين حرفا، أن يعتبر الموجودات
التي عددها ثمانية و عشرون، فإنه يجدها تنقسم قسمين حيث ما وجد. فمن ذلك ثمانية و
عشرون عدد مفاصل اليدين للإنسان، فإنها في اليد