يتيسر له معرفة اللّه كما قال النبي، صلى
اللّه عليه و سلم: «من عرف نفسه فقد عرف ربّه، و أعرفكم بنفسه أعرفكم بربّه» و قال
تعالى: «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ»
و قال: «وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ»
و قال «وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ»
«قالُوا بَلَى شَهِدْنا». و قال:
«ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ».
قال أهل المعارف أشار بقوله تعالى: «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ»
يعني العارفين بأنفسهم لينتيه الجاهل من نوم غفلته.
فإن قيل: ما الحكمة في اختلاف أنواع النبات و أوراقها و ثمارها و
فنونها و ألوانها، و طعومها، و روائحها، و طباعها المختلفة؟ قيل: لما فيها من كثرة
المنافع للحيوانات المختلفة الصّور، المتغايرة الطباع، المفننة الأخلاق، الكثيرة
المتصرّفات. فإن قيل: لم جعل في طباع بعض الحيوانات و جبلتها الألفة و الأنس و
المودة؟ يقال: ليدعوها ذلك إلى اجتماع المعاون لما فيه من صلاحها و كثرة منافعها.
و إن قيل: فما الحكمة في كون النفور و الوحشة و العداوة في جبلة بعض الحيوانات؟
يقال: لكيما يدعو ذلك إلى التباعد في الأماكن، و الانتشار في البلاد، لما فيه من
صلاح حالها، و سلامتها من الآفات، و لكيلا تتزاحم في الأماكن، و يضيق بها التصرّف
و الفسحة و رغدة العيش. ثم اجتمع الناس في المدن و القرى، و تزاحموا لشدة حاجتهم
إلى معاونة بعضهم بعضا، لأن الإنسان لا يقدر أن يعيش وحده إلّا عيشا نكدا.