قال: إن الإنسان بالحقيقة هو هذه النفس
الناطقة، و الجسد لها بمنزلة قميص ملبوس، أو غلاف مغشّى عليه. فهذه ثلاث مقالات في
كلام الحكماء في ماهيّة الإنسان. فأما اختلافهم في ماهيّة النفس فنبيّنه أيضا، و
يجمعها ثلاث مقالات، و ذلك أن منهم من قال: إن النفس هي جسم لطيف غير مرئيّ و لا
محسوس.
و منهم من قال: إنما هي جوهرة روحانية غير جسم، معقولة و غير محسوسة،
باقية بعد الموت. و منهم من قال: إن النفس عرض يتولّد من مزاج البدن و أخلاط
الجسد، يبطل و يفسد عند الموت، إذا بلي الجسد، و تلف البدن، و لا وجود لها إلّا مع
الجسم البتّة، و هؤلاء قوم يقال لهم الجسميّون، لا يعرفون شيئا سوى الأجسام
المحسوسة، و الأعراض ذوات الأبعاد الثلاثة التي هي الطول و العرض و العمق، و
الأعراض التي تحلها مثال الألوان و الطعوم و الروائح و الأشكال ذوات الأضلاع من
الأقطار و الزوايا؛ و ليس عندهم علم من الأمور الروحانية، و الجواهر النّورانية و
الصّور العقليّة، و القوى النفسانية السارية في الأجسام، المظهرة فيها و منها
أفعالها و تأثيراتها حسب.
فصل
ثم اعلم أن من العلوم الشريفة، و المعارف النفيسة، معرفة الإنسان
نفسه، لأنه قبيح بكل عالم أن يدّعي معرفة حقائق الأشياء، و هو لا يعرف نفسه، و
يجهل حقيقة ذاته، و هو يتعاطى الحكمة، لأن مثل ذلك كمثل من يطعم غيره و هو جائع،
أو يكسو غيره و هو عريان، أو يهدي غيره و هو ضال في الطريق الأنهج. و قد علم كل
عاقل ذاته في هذه الأشياء بأنه ينبغي للإنسان أن يبتدي أولا بنفسه ثم بغيره.
ثم اعلم أن الإنسان لا يمكنه أن يعرف نفسه على الحقيقة، إلّا أن ينظر