و القياس ينبغي أن يعتبر من يريد أن يعترض
ما العلّة، و ما وجه الحكمة في أكل الحيوانات بعضها بعضا، ليتبين له الحقّ و
الصواب. و نحن نريد أن نبيّن ما العلّة و ما وجه الحكمة في الكل، و في أكل
الحيوانات بعضها بعضا، و لكن لا بد أن نقدّم أشياء لا بد من ذكرها.
فصل
فنقول: اعلم أن عقول القوم إنما أنكرت أكل الحيوانات لما ينالها من
الآلام و الأوجاع عند الذبح و القتل، و لو لا ذلك لما أنكروا، كما لا ينكرون أكل
الحيوان النبات، إذ ليس ينال النبات الآلام و الأوجاع، فنقول:
قصد اللّه و غرضه في ألم الحيوانات ما جبلت عليه طباعها، و الأوجاع
التي تلحق نفوسها عند الآفات العارضة ليس عقوبة لها و عذابا كما ظن أهل التناسخ،
بل حثّ لنفوسها على حفظ أجسادها و صيانة هياكلها من الآفات العارضة لها، إذ كانت
الأجساد لا تقدر على جرّ منفعة و لا دفع مضرّة عنها، و لو لم يكن ذلك كذلك لتهاونت
النفوس بالأجساد و خذلتها و أسلمتها إلى الهلاك قبل فناء أعمارها و تقارب آجالها،
و لهلكت كلها دفعة واحدة في أسرع مدة.
فلهذه العلّة جعلت الآلام و الأوجاع للحيوان دون النبات، و جعل فيها
حبّ للبقاء إمّا بالحرب و القتال، و إمّا بالهرب و الفرار و التحرّز لحفظ جثتها من
الآفات العارضة إلى وقت معلوم. فإذا جاء أجلها فلا ينفع القتال و لا الهرب و لا
التحرّز بل التسليم و الانقياد، و لو كان ينالها بعض الآلام و الأوجاع.
و إذ قد ذكرنا ما يحتاج إليه فنقول الآن إن اللّه تعالى لما خلق
أجناس الحيوانات التي في الأرض، و علم أنها لا تدوم بذاتها أبد الآبدين، جعل لكل