نوع منها عمرا طبيعيّا أكثر ما يمكن منه، ثم
يجيئه الموت إن شاء أو أبى.
و قد علم اللّه تعالى أنه يموت كل يوم منها في البر و البحر، و السهل
و الجبل، عدد لا يحصيه إلّا اللّه تعالى. ثم جعل بواجب الحكمة جثّة جيف موتاها
غذاء لإحيائها، و مادّة لبقائها، لئلا يضيع شيء مما خلق اللّه تعالى بلا نفع و لا
فائدة، و كان في هذا منفعة لأجسادها، و لم يكن فيه ضرر على الموتى.
و خصلة أخرى، لو لم تكن الأحياء تأكل جيف الموتى منها، لبقيت تلك
الجيف، و اجتمع منها على ممرّ الأيام و الدهور، حتى تمتلئ منها الأرض و قعر
البحار، و تنتن و يفسد الهواء و الماء من نتن روائحها، فيصير ذلك سببا لكونها و
هلاكها للأحياء، فأيّ حكمة أكثر من هذه أن جعل الباري تعالى في أكل الحيوانات
بعضها بعضا من المنفعة للأحياء، و دفع المضرّة عنها كلها، و إن كانت تنال بعضها
الآلام و الأوجاع عند الذبح و القتل؟ و ليس قصد القابض من القاتل من ذبحها و
قبضها، إدخال الألم و الوجع عليها، بل لينال المنفعة فيها لدفع مضرّة بها.
فصل
ثم اعلم أن اللّه تعالى لما أبدع الموجودات، و اخترع الكائنات، قسمها
قسمين اثنين: كليّات و جزئيات. و رتّب الجميع و نظّمها مراتب الأعداد المفردات،
كما بيّنّا في رسالة المبادي. و كانت مرتبة الكليات أن جعل الأشرف منها علّة لوجود
أدونها، و سببا لبقائها، و متمما لها، و مبلغا إلى أقصى غاياتها و أكمل نهاياتها.
و كانت مرتبة الجزئيات أن جعل الناقص منها علّة للكامل و سببا لبقائه، و الأدون
خادما للأشرف و معينا و مسخّرا له.
و بيان ذلك من النبات الجزئي: لما كان أدون رتبة من الحيوان الجزئي،
و أنقص حالة منه، جعل جسم النبات غذاء لجسم الحيوان، و مادّة لبقائه،