الفسق و الفجور، و قتل الأنفس، و قطع صلة
الرّحم، و إهراق الدماء، و هتك الحرم، و انتهاك المحارم، و الخروج عن الطاعة، و
الحميّة الجاهلية، و السرعة و العجلة، و ترك النظر في العواقب، و قلّة الورع، و
الإنكار لأمر المعاد و المنقلب بعد الموت! و من كانت هذه حاله في الدنيا فليس له
في الآخرة إلّا العذاب. و أما كون عطارد ممازجا للكواكب، ففيه دلالة على أن أمور
الدنيا معلقة بأمور الآخرة، ممازجة لها. و هكذا حكم البروج المنقلبة يدلّ على
تقلّب أمور الدنيا و حالات أهلها. و البروج الثوابت تدلّ على ثبات أمور الآخرة و حالات
أهلها. و البروج ذوات الجسدين تدلّ على أن أمور الدنيا متصلة بأمور الآخرة و
ممازجة لها. و أما كون العقدتين في الفلك، اللتين إحداهما رأس الجوزهر[1] و الأخرى ذنب الجوزهر، و هما
خفيّتا الذات، و ظاهرتا التأثيرات في الفلك، فتدلّان على أن في العالم جواهر لطيفة
خفيّات الذوات، ظاهرات الأفعال و التأثيرات، و هم أجناس الملائكة، و قبائل الجنّ،
و أحزاب الشياطين، و أرواح الحيوانات و نفوسها. فإن قيل: لم جعل الكسوف للنيّرين
دون سائر الكواكب؟ قيل: لتزول الشكوك عن قلوب المرتابين الذين يظنّون أنهما إلهان
اثنان، فإنهما لو كانا إلهين لما انكسفا.
ثم اعلم أن اللّه تعالى جعل في جبلة الحيوان أربعة أسباب: آلامها، و
دواعي عطب أبدانها، و شقاوة نفوسها، و هلاك هياكلها، و هي الجوع، و العطش، و
الشهوات المختلفة، و اللذات الذليلة. أما قصد الباري الحكيم في فعله ذلك كله فهو
لبقاء نسلها و صلاح معاشها. و أما الذي يعرض لها من الآلام و النّكب فليس بالقصد
الأول، و لكن بالعرض من أجل النّقص الذي هو في الهيولى، و ذلك أن اللّه تعالى جعل
لها الجوع و العطش لكيما