و عقدتين و قد كان في واحد واحد كفاية؟ قيل
له: ليكون ذلك دلالة على تحقيق ما قلنا، و صحّة ما وصفنا، من أن له دارين اثنتين و
هما الدنيا و الآخرة. و ذلك أن حالات أحد النيّرين تشبه حالات أمور الدنيا و
أبنائها و هو القمر، و الآخر تشبه حالاته حالات الآخرة و أبنائها و هي الشمس
النيّر الأكبر. و لذلك إن أمور الدنيا و حالات أبنائها تعدّ من أنقص الوجوه و أدون
المراتب مرتبة إلى أتمّها و أكملها. فإذا بلغت إلى غاياتها أخذت في الانحطاط و
النّقصان إلى أن تضمحلّ و تتلاشى. و هذا حال القمر من أول الشهر ثم إلى نصفه، و من
نصف الشهر إلى آخره، تشاهد في كل سنة اثنتي عشرة مرة. و هكذا حكم السّعدين و
دلائلهما: أحدهما يدل على سعادة أبناء الدنيا، و الآخر يدل على سعادة أبناء
الآخرة. و ذلك أن الزّهرة التي هي السعد الأصغر، إذا استولت على مواليد أبناء
الدنيا، دل لهم على حسن الرتبة و العز و الكرامة، و السرور و اللذة، و النعم و
الرفاهة، و اللّعب و اللهو و الغناء، و ما يتنافس فيه أبناء الدنيا من هذه الخيال،
و يعدّونها سعادة، و ليست هي سعادة بالحقيقة، بل هي محنة و شقاء و بلوى. و أما إذا
استولى المشتري الذي هو السعد الأكبر على مواليد الناس، دل لهم على حسن الأخلاق، و
جودة النفس، و محبة الخير و العمل به، و العدل و لانصاف في المعاملات، و التمسك
بالدين و كثرة العبادة و ذكر الميعاد، و ترك اللذات و الشهوات الدّنيوية، و
التفكّر في أمر الآخرة، و التقلّب بعد الموت، و ما شاكل هذه الخصال المتضادّة، لما
يدلّ عليه أبناء الآخرة. و هكذا حكم النحسين، و ذلك أن أحدهما يدلّ على محنة و
منحسة أبناء الدنيا و هو زهل إذا استولى على المواليد، دلّ على الفقر و البؤس، و
الشدائد، و الذل و الهوان، و العلل و الأمراض، و التعب و العناء، و المصائب و
الغموم و الأحزان، و نوائب الحدثان التي هي أكثر من أن تحصى، و أبناء الدنيا
مرهونون بها لا ينفكّ أحد منها.
و إذا استولى المرّيخ على المواليد و تقوّى، فدلالته على أتباع
الشرور: على