جواب يصلح لكل واحد: و ذلك أن في الناس
خواصّ و عوامّ. أما جواب الخاص، إذا سأل عن حدوث العالم و علّته الموجبة، فجوابه
على ما سنذكره و نشرحه من بعد. و أما جواب العامّة، إذا سألوا لم خلق اللّه العالم
بعد أن لم يكن؟ فجوابه أن في خلقه العالم حكمة و خيرا، و فعل الحكمة عن الحكيم
واجب! فلو لم يخلق العالم، لكان تاركا للحكمة و فعل الخيرات، و هذا هو الجواب. فإن
قال: لم خلق في وقت دون وقت؟ فيقال: لأنه كان عالما أنه سيخلق في الوقت الذي خلق
فيه، فلو خلق قبل ذلك لكان فعله مخالفا لعلمه، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا. فإن قيل:
لم خلق اللّه تعالى العالم على هذه الصورة التي هو عليها الآن، و لم يخلقه على
غيرها من الصور؟ فيقال: لأن هذا أحكم و أتقن. فإن قيل: بل غيره أحكم و أتقن! فيقال
له: بيّن كيفية ذلك؟ فإن الحكماء الربّانيين قالوا لا يجوز و لا يمكن أحكم من هذا
و لا أتقن منه. فإن قال: أو ليس زيد الزّمن[1]
قد كان يمكن أن يكون أحكم بنية و أحسن صورة مما هو عليه الآن؟ فيقال:
سألتنا عن صورة العالم بكليته، لا عن صورة حروف أجزائه، بل ما ذا
تقول في صورة الإنسانية، هل يجوز أن تكون أحكم و أتقن مما هي عليه الآن؟
ثم اعلم أن اللّه تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم بالقصد الأول،
فأما صورة زيد الزّمن و عمرو المفلوج فللأسباب الفلكية و العلل الطبيعية، و يطول
شرح ذلك: و ذلك أن الحكماء بحثوا عن علل الأشياء و خبروا عن أسبابها، فإنما كان
ذلك عن علل الكليات، فأما علل الجزئيات فلا يبلغ فهم البشر معرفتها، بل تقصر
عقولهم عن معرفتها و عن عللها و أسبابها الدقيقة الخفيّة.
و نريد أن نذكر عن تلك العلل و الأسباب التي أدركها الحكماء، بدقّة