و كلّ صانع حكيم فله في صنعته غرض ما، و
الغرض هو غاية تسبق في علم العالم أو في فكر الصانع، و من أجله يفعل ما يفعله،
فإذا بلغ إليه قطع الفعل و أمسك عن العمل.
ثم اعلم أن كل مصنوع فله أربع علل: علة فاعلية، و علّة هيولانية، و
علة صوريّة، و علة تمامية، مثال ذلك السرير فإن علته الفاعلية النجّار، و
الهيولانية الخشب، و الصّوريّة التربيع، و التمامية القعود عليه. و كل صانع بشري
يحتاج في صناعته إلى ستة أشياء حتى يتم صنعته: هيولى ما، و مكان ما، و زمان ما، و
أدوات ما كاليد و الرجل، و آلات ما كالفأس و المنشار، و حركات ما.
و كلّ صانع طبيعي يحتاج إلى أربع منها: و هي الهيولى و المكان و
الزمان و الحركة. و كل صانع نفساني يكفيه اثنان منها: هيولى و حركات ما.
و الباري لا يحتاج إلى شيء منها، لأن فعله إبداع و اختراع لهذه
الأشياء، أعني الهيولى و الزمان و الحركات و الآلات و الأدوات.
و اعلم أن كل صانع حكيم من البشريين يجتهد أن يحكم صنعته إحكاما أجود
ما يقدر عليه، و لكن ربما عرض له عوائق إمّا لعلة المادة، أو لعسر الهيولى عن قبول
الصورة، أو لعدم الأدوات و الآلات، أو ضعف القوّة و النسيان و الغفلة و السّهو، و
قلّة المعرفة بالحذق في الصنعة، و اللّه منزّه عن جميع ذلك كلّه.
فصل
ثم اعلم أن الموجودات كلها نوعان: كليات و جزئيات، فالكليات رتّبها
الباري من أشرفها إلى أدونها، كما بيّنّا في رسالة المبادي و الجزئيات، ابتدأها من
أدونها إلى أتمّها و أكملها رتبة، كما بيّنّا في رسالة الطبيعيات.
ثم اعلم أنه ربما يكون في المسألة الواحدة عدّة أجوبة، و لكن ليس كل