الفضائل و الخيرات- كمثل الرجل الخيّر
العاقل المحبّ المقبل على أستاذه، المحبّ الحريص في تعلّمه العلم و الحكم و
المعارف، المتخلّق بأخلاقه الجميلة و آدابه الصحيحة مدّة من الزمان، حتى إذا امتلأ
من الخيرات و الفضائل و العلوم و الحكم، أخذه عند ذلك شبه المخاض، و اشتهى و تمنّى
و طلب من يفيض عليه من تلك الخيرات و الفضائل و يفيده إياها. فإذا وجد تلميذا يعلم
أنه يقبل منه تأديبه، و يفهم علمه و حكمته، أقبل عليه بالفيض و الإفادة طمعا في
إصلاحه، و حرصا في تعليمه، و رغبة في تأديبه، تشبّها بأستاذه في أفعاله و صنائعه،
مثل ما كان يفعل أستاذه به تشبّها بأستاذه و معلّمه و مخرّجه الأول الذي أدّبه و
خرّجه و هذّب جوهره و صفّى عنصره.
فإذا فرغ من تعليمه و تثقيفه بتأديبه، أقبل عند ذلك على عبادة ربّه،
و طلب الخلوات لمناجاة باريه، و تمنى اللّحوق بأسلافه و أقاربه، و الدخول في زمرة
ملائكته. و هكذا سيرة الأنبياء، صلوات اللّه عليهم، و كذلك أيضا كانت سيرة الحكماء
و القدماء الرّبّانيين. كل ذلك تشبّها بالله تعالى في إظهار حكمته و فيض فضائله
على بريّته، إذ أوجدهم بعد أن لم يكونوا، فأفاض عليهم من فنون نعمه و ألوان
الخيرات و البركات مما لا يحصي عددها إلّا اللّه.
فافهم يا أخي هذه الإشارات و التنبيهات، لعلّ نفسك تنتبه من نوم
الغفلة و رقدة الجهالة.