من دم الطّمث في الرّحم كيف تمخّض و تميّز،
و صار بعضها عظاما بيضا صلبة، و بعضها لحما أحمر، و بعضها شحما دسما أصفر، و بعضها
عروقا مجوّفة، و بعضها أعضاء آليّة، و بعضها أعضاء متشابهة الأجزاء. و كيف صار
بعضها قلبا، و بعضها جرم الكبد، و بعضها جرم الرّئة، و كذلك المعدة و الطّحال و
الدّماغ و الأمعاء. و كيف صار بعضها جلدا و شعرا و ظفرا و ما شاكل هذه الأشياء
المختلفة الأشكال و الصّور و الألوان و الطّعوم و الروائح و الطباع. و إن عجز فهمه
عن تصوّر كون هذه من دم الطّمث و من النّطفة، و تركيبها منه، و كيفيّة قبولها هذه
الصّور و الأشكال و الطعوم و الألوان التي هي أقرب إليه، و معرفتها أسهل عليه، فهو
عن تصوّر كيفية الأفلاك، و خلق أطباق السماوات و الأرضين أبعد، و هو بها أجهل و
أقلّ فهما.
فصل
ثم اعلم أنه سترجع النفس الكلية إلى عالمها الروحاني و محلّها
النوراني و حالتها الأولى التي كانت عليها قبل تعلّقها بالجسم، كما قال تعالى:
«كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا
إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ» و لكن لا يكون ذلك إلّا بعد
مضيّ الدهور و الأزمان الطوال و الأدوار، و سيخرب العالم الجسماني إذا فارقته
النفس، و سكن الفلك عن الدوران، و الكواكب عن السير، و الأركان عن الاختلاط و
المزاج؛ و يبلى النبات و الحيوان و المعادن، و يخلع الجسم الصور و الأشكال و
النقوش، و يبقى فارغا كما كان بديّا، إذ أعرضت عنه النفس، و أقبلت نحو عالمها، و
لحقت بعلّتها الأولى، و صارت عنده و اتحدت به. لأن مثل النفس في إقبالها على الجسم
و اشتغالها به في إصلاح شأنه- بعد ما كانت مقبلة على علّتها في عالمها، مستفيدة
منها الفيض من