صار علم الإنسان بجوهر النفس و أحوالها أشرف
من علمه بجوهر الجسم و أحواله. و قد بيّنّا ماهيّة الجسم و صفاته المخصوصة به في
رسالة الهيولى و رسالة الحاسّ و المحسوس، و نريد أن نتكلم هاهنا في علم النفس و
أحوالها فنقول:
لما كان علم الإنسان و مباحثه بالمعلومات من تسعة أوجه، كما بيّنّا
في رسالة الصنائع العلمية، و هي: هل هو، و ما هو، و كيف هو، و كم هو، و أين هو، و
متى هو، و لم هو، و من هو، كما بيّنّا ذلك في رسالة قاطيغورياس ثم نريد أن نذكر من
هذه المباحث في أمر النفس الجزئية الإنسانية طرفا فنقول: ما هي، و كيف هي، و كم
هي، مع هذا الجسد، و أين كانت قبل رباطها، و كيف تكون حالها إذا فارقته، و لم ربطت
بالجسم، و ما الغرض في ذلك؟
و اعلم أنه قد بيّنّا ماهيّتها في رسالة العقل و المعقولات، و
كميّتها في رسالة العالم إنسان كبير، و أين كانت النفس الجزئية قبل رباطها
بالأجساد في رسالة مسقط النّطفة، و أين تكون إذا فارقت الجسد في رسالة البعث و
القيامة، و نريد أن نذكر في هذه الرسالة الملقّبة بحكمة الموت كيف كونها مع الجسد،
و لم ربطت بالجسم و لم تفارقه؟
و لما كانت الأنفس الجزئية قوى منبثّة من النفس الكلية في الأجسام
الجزئية التي تحت فلك القمر، احتجنا أن نذكر أولا النفس الكلية التي هي نفس العالم
بأسره، و لم ربطت بالجسم الكلي الذي هو جملة العالم من أقصى فلك المحيط الى منتهى
مركز الأرض بعون اللّه تعالى.