فنقول: اعلم أن الفاعل المختار هو الذي يقدر على الفعل و تركه متى
شاء.
فهذه مقدّمة موجبة صادقة، و مقدّمة أخرى: كلّ فاعل حكيم مختار فله في
فعله غرض، فهذه موجبة صادقة. و مقدمة أخرى نشرحها فنقول: الغرض هو عناية سابقة في
علم الصانع قبل إظهار صنعته، و من أجله يفعل ما يفعله، فإذا بلغ إلى غرضه، قطع
الفعل و أمسك عن العمل.
فهذه مقدّمات ثلاث موجبات صادقات، و مقدّمة أخرى: كل حكيم صانع إذا
علم علما يقينيّا أنه لا يبلغ إلى غرضه في فعله، فإنه لا يعمل شيئا و لا يطلبه، و
هذه مقدّمة كلّية موجبة صادقة. و مقدّمة خامسة: محرّك الأفلاك و الكواكب فاعل
مختار حكيم قادر، و هذه مقدّمة موجبة.
فينتج من هذه المقدمات أن العالم سيخرب يوما. بيان ذلك أنه إن كان قد
يبلغ محرّك الأفلاك إلى غرضه في تحريكها، فسببه أن يمسك عن تحريكها و إدارتها؛ و
إن كان لم يبلغ إلى الغرض، فالغاية في ذلك بلوغ الغرض، و إن كان يعلم أنه لا يبلغ
غرضه و مطلبه، فسبيله أن يمسك عن فعله إن كان حكيما. و إن كان يعلم أنه سيبلغه،
فإذا بلغ غرضه و مطلبه، قطع الفعل و أمسك عن العمل. و إذا أمسك محرّك الأفلاك عن
التحريك لها، وقفت الأفلاك عن الدوران، و وقفت الكواكب عن المسير في البروج، و
وقفت مجاري الليل و النهار و الشتاء و الصيف، و بطل ترتيب الزمان، و وقف الكون و
الفساد في الموّلدات الثلاثة، و فسد النظام. و في ذلك يكون بطلان العالم و بوار
الكل، لأنّا قد بيّنّا في فصول قبل هذه أن قوام العالم و صلاح الخلائق هو بالحركة
التي هي حياة العالم و صلاحه، و بها يكون الخير و الشر، و السعود و المعارف أجمع.
فقد تبيّن، بما ذكرنا، كيفية بوار العالم و طيّ السماوات و الأرضين