التي هي القيامة الكبرى. فأما حديث عالم
الأرواح و بقائها و دوامها، و كيفية تصاريف أهلها، فقد ذكرنا طرفا منها في رسالة
البعث و القيامة بشرحها.
فصل في بيان الضرر لمن يعتقد أن العالم قديم غير مصنوع
فنقول: إن من يعتقد أن العالم قديم غير مصنوع، أو يظن ذلك، فإن نفسه
نائمة نوم الغفلة، و يموت بموت الجهالة، و ذلك أنه لا يخطر بباله، و لا يجول في
خلده و لا في فكره، كيفيّة صنعة العالم و تكوينه، و لا يسأل عن صانعه من هو، و لا
من خلقه، أو متى أحدثه، و من أي شيء خلقه، و كيف صوّره، و لم فعل بعد أن لم يكن
فعل، و ما الذي أراد بما فعله، و ما شاكل هذه المباحث و السؤالات التي فيها و في
أجوبتها انتباه النفس من نوم الغفلة، و حياة لها و خلاص من البؤس و الشدة. فإذا لم
يخطر بباله لا يسأل عنه، و إذا لم يسأل عنه لا يجاب، و إذا لم يجب لا يعلم، و إذا
لم يكن عالما، فنفسه تنام في غفلتها، و تعمى عن الاعتبار للمشاهدات، و تصمّ من
استماع الأذكار و الخطاب، و تموت في ظلمات الجهالة التي هي ظلمات بعضها فوق بعض، و
يشتغل حينئذ بالأكل و الشرب، و الجماع و طلب الشهوات الجسمانية، و اللذّات
الجرمانية، إذ هو جاهل بنفسه، مصرّ على سوء فعله، مستكبر في حياته إلى الممات. ثم
يفارق الدنيا، على رغم منه، كارها حزينا، خاسرا لا يرجى له بعد الموت ثواب، و لا
يؤمّل له إحسان، إذ لم يكن له ما يجازى به إحسانا، و هو قوله: «خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ
الْمُبِينُ».
فأما من يعتقد خلاف ذلك، و هو يعتقد أن العالم محدث مصنوع بقصد