السلام: «من مات فقد قامت قيامته» ثم بعد
ذلك تبيّن للمنكرين ما كانوا يوعدون!
فصل في بيان مقدمات عقلية ضرورية تدل على أن العالم محدث مصنوع
فنقول: اعلم أن معنى قول الحكماء العالم هو إشارة إلى الفلك المحيط و
ما يحويه من سائر الأفلاك، و الكواكب، و البروج، و الأركان الأربعة و مولّداتها
التي هي الحيوان و المعادن. ثم نقول: اعلم أن الفلك المحيط و ما يحويه من جميع ما
ذكر كلّها أجسام، و مما لا شك فيه عند الحكماء أن الجسم عبارة عن الشيء الطويل
العريض العميق. و قولهم الشيء إشارة إلى الهيولى و هو الجوهر؛ و الطول و العرض و
العمق إشارة إلى الصورة التي صارت بها الهيولى جسما طويلا عريضا عميقا. ثم اعلم أن
من الأجسام ما هو متحرك دائما، و هي الأفلاك و الكواكب؛ و منها ما هي ساكنة
بكلّيتها، متحركة بأجزائها، و هي الأركان الأربعة، و ذلك أن النار التي دون فلك
القمر لا تبرح من مكانها، و هي المسمّى الأثير، و هو هواء حارّ ليّن ليس له ضوء، و
دونه هواء بارد يسمّى الزّمهرير، و ليس يبرح أيضا من مكانه؛ و دونه النسيم المحيط
بالأرض و البحار، و هو هواء معتدل بين الحرارة و البرودة. و كل هذه الأكر الثلاث
لا تبرح من مكانها، بل هي متحركة بأجزائها، و منها ما هي متحركة تارة بكلّيتها و
جزئيّتها، و تارة ساكنة بكليّتها و جزئيّتها، و هي الموّلدات الكائنة من الحيوان و
النبات. و كل هذه الأجسام المتحركات و الساكنات يقتضي محرّكا و مسكّنا. بيان ذلك
أن الفلك لما كان أجساما كريّات مستديرات مشفّات محيطات بعضها ببعض، الصغير منها
في جوف الكبير، و الكبير في جوف ما هو أكبر منه،