ثم اعلم أن غرضنا، من ذكر حركات العالم و حركات أجزائه الكليات و
الجزئيات و فنون تصاريفها، هو بيان بطلان قول من يقول بقدم العالم، و ذلك لأن
الحركات المختلفة تدل على اختلافها، و المتحرّك و المختلف الأحوال لا يكون قديما،
لأن القديم هو الذي يكون على حالة واحدة لا يتغيّر و لا يستحيل و لا يحدث له حال،
و ذلك ليس يوجد موجود هذا شأنه إلّا اللّه الواحد الأحد، و لا يمكن أن يوجد شيء
سوى اللّه تعالى هذا شأنه.
ثم اعلم أن الذين قالوا بقدم العالم ظنّوا بأنه ساكن، و الساكن لا
تختلف أحواله، و ليس الأمر كما ظنوا و توهموا من سكون العالم، كما بيّنّا فيما
تقدّم بكثرة حركات كلياته و جزئياته ما لا تنكره العقول السليمة: فمنها حركات
الكواكب، و دوران الأفلاك، و استحالات الأركان، و تكوين الموّلدات مما لا خفاء به.
و لعمري إن الفلك المحيط هو جسم كرويّ محيط بسائر الأشياء و الأفلاك،
و هو ساكن في مقرّه لا ينتقل منه، و لكنه متحرك الأجزاء كلها. و كل فلك، من
الأفلاك المستديرة، و الأفلاك الخارجة المراكز، يدور كل واحد حول مركزه الخاص، لا
يقرّ و لا يهدأ طرفة عين، و لا يمكن أن يتوهّم بسرعة حركتها إلّا شيء نذكره، و
ذلك أن الدّوّارة هي أسرع شيء حركة نشاهدها. و قد ذكر أصحاب المجسطي أن حركات
الأفلاك و الكواكب أسرع من ذلك، و قد بيّنوها ببراهين هندسية ضرورية: فمن ذلك ما
قالوه في حركة الشمس إنها تتحرك في مقدار ما يشيل الإنسان رجله بخطوة من خطواته، و
يضعها تمشي فراسخ.
ثم اعلم أن كل حركة في متحرّك فهي متحركة له، و هي سبب لشيء آخر،
فمتى عدمت تلك الحركة بطل ذلك السبب. مثال ذلك حركة الرّحى عن