إن الحركة هي صورة روحانية تجعلها النفس في
الأجسام، فبها تكون الأجسام متحركة، كما تجعل الأشكال و النقوش و الصور و الألوان
في الأجسام. و بها تكون الأجسام مصوّرة منقّشة، مشكّلة، متحركة.
فالنفوس هي المحرّكة للأجسام، و الأجسام هي المحرّكات و المسكّنات
بتحريك النفوس لها و تسكينها إياها، كما بيّنّا في رسالة الهيولى و الصورة.
و التحريك هو فعل النفس، و الحركة هي صورة تجعلها النفس في الجسم،
بها يكون الجسم متحركا. و أما التسكين فهو أيضا فعل من أفعال النفس تحرّك الجسم
تارة و تسكّنه أخرى، مثال ذلك أن الإنسان يحرّك يده تارة و يسكّنها أخرى.
و إذ قد تبيّن، مما ذكرنا، ما الحركة و ما السكون، فنريد الآن أن
نذكر كمّيّة أنواعها و ماهيّة كل نوع منها فنقول:
اعلم أن الحركة نوعان: جسماني و روحاني، كما سنبين. فالحركة
الجسمانية ستة أنواع و هي: الكون و الفساد، و الزيادة و النقصان، و التغيّر و
النّقلة.
و نريد أن نتكلم أولا في الحركات التي هي النّقلة، إذ كانت هي أبين و
أظهر للحواس. ثم نذكر الخمسة الباقية، إذ كانت هي أدقّ و ألطف، فنقول:
إن الحركة التي هي النّقلة ثلاثة أنواع: مستقيمة، و مستديرة، و
مركّبة منهما.
فالحركة المستقيمة نوعان: من المركز إلى المحيط، و من المحيط إلى
المركز، يعني مركز العالم، و محيط العالم، أو بين ذلك. و أما المستديرة فهي التي
تكون حول المركز.
و إذ قد تبيّن، بما ذكرنا، كميّة أنواع الحركات التي هي النّقلة،
فنريد أيضا أن نذكر المحرّكات، إذ كانت هي أبين و أظهر للحواس، فنقول:
إن المحرّكات اثنا عشر نوعا حسب، لا أقلّ و لا أكثر، منها حركات
الأفلاك التسعة، و منها حركات الكواكب السيّارة، و منها حركات الكواكب ذوات
الأذناب، و منها حركات الشهب، و منها حركات الهواء و الرياح،