و نيلها عزّ لصاحبها، و عرفانها نور لقلوب
أهلها، و هداية و حياة لنفوسهم، و شفاء لصدورهم، و يقظة لها من نوم الغفلة و رقدة
الجهالة، و لذّة للأرواح، و صلاح للأجساد، و تمام و كمال للأجسام، و قوام للعالم،
و نظام للخلائق، و ترتيب للموجودات، و زينة للكائنات. و لكن قيل: بعض العلوم أشرف
و أفضل و أكرم، فأشرف العلوم و أجلّ المعارف التي ينالها العقلاء المكلّفون، معرفة
اللّه، جلّ ثناؤه، و العلم بصفات وحدانيّته و أوصافه اللائقة به. ثم بعد هذا معرفة
جوهر النفس، و كيفيّة تصاريف أحوالها في جميع الأزمان الماضية و الآتية و الحاضرة.
ثم كيفيّة تعلّقها بالأجسام، و تدبيرها للأجساد، و استعمالها الأبدان مدة؛ ثم
كيفيّة تركها لها، و مفارقتها إياها، و تفرّدها بذاتها، و لحوقها بعالمها و عنصرها
و جوهرها الكلي، ثم معرفة البعث و القيامة و الحشر و الحساب و الميزان و الصّراط و
دخول الجنان و مجاورة الرحمن ذي الجلال و الإكرام.
و اعلم يا أخي أن هذا الفن من العلوم هو لبّ الألباب، و إليه ندب ذوي
العقول الراجحة و الحكمة الفلسفية دون غيرهم من الناس. لأن هذا الفن من العلم و
المعارف آخر مرتبة ينتهي إليها الإنسان في المعارف، مما يلي رتبة الملائكة. و من
أجل هذا هو مكلّف متعبد، و قاصد نحوه، منذ يوم خلقه اللّه تعالى إلى يوم يلقاه،
فيوفّيه حسابه، و هو الغرض الأقصى في وجود النفس و تعلّقها بالأجساد، و نشوئها
معها، و تتميمها و تكميلها.
و اعلم يا أخي، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، أنك إذا أردت النظر في
هذا العلم الشريف، و البحث عن هذا السر اللطيف، فتحتاج إلى أن تقصد إلى أهله، و
تسألهم عنه، كما يقصد في سائر العلوم و الصنائع إلى أهلها، كما قيل: استعينوا على
كل صناعة بأهلها.
و اعلم يا أخي أن أهل هذه الصناعة، و علماء هذه الأسرار هم إخواننا
الكرام الفضلاء. فانظر يا أخي فيما قالوا، و تأمل ما وصفوه من حقائق