و لكن إن استوى لك، فكن من الذين ينتظرون
بعث النفوس، و يؤمّلون حياتها و وصولها إلى عالمها الروحاني و دار قرارها
الحيواني، مخلّدا في النعيم أبد الآبدين و دهر الداهرين، مع النبيين و الصدّيقين و
الشهداء و الصالحين، و حسن أولئك رفيقا.
فصل في بعث الأجساد
و اعلم يا أخي أن بعث الأجساد من القبور الدارسات، و قيامها من
التراب، إنما يكون ذلك إذا ردّت إليها تلك النفوس و الأرواح التي كانت متعلقة بها
وقتا من الزمان، فيما سلف من الدهر، فتنتعش تلك الأجساد، و تحيا تلك الأبدان، و
تتحرّك و تحسّ بعد ما كانت جمودا، ثم تحشر و تحاسب و تجازى، لأن الغرض من البعث هو
المجازاة و المكافأة.
و اعلم يا أخي أن ردّ النفوس الناجية إلى الأجسام، الفانية في التراب
من الرأس، ربما يكون موتا لها في الجهالة، و استغراقا في ظلمات الأجسام، و حبسا في
أسر الطبيعة، و غرقا في بحر الهيولى. فأما بعث النفوس و قيام الأرواح فهو الانتباه
من نوم الغفلة و اليقظة من رقدة الجهالة، و الحياة بروح المعارف، و الخروج من
ظلمات عالم الأجسام الطبيعية، و النجاة من بحر الهيولى و أسر الطبيعة، و الترقي
إلى درجات عالم الأرواح، و الرجوع إلى عالمها الروحاني، و محلّها النوراني، و
دارها الحيواني، كما ذكر اللّه تعالى بقوله:
«إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا
يَعْلَمُونَ» يعني أبناء الدنيا. فإذا كانت الدار هي الحيوان، فما ظنّك يا أخي
بأهل الدار كيف تكون صفاتهم و نعيمهم و لذّاتهم؛ إلّا كما ذكر اللّه تعالى بقوله: «فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَ
أَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ» لا يموتون فيها و لا
يمرضون.
و اعلم يا أخي، أيّدك اللّه و إيانا بروح منه، أن العلوم كلّها
شريفة،