المطر من الغيم، فاحتملت القلوب من علم
القرآن بحسب اتّساعها في المعارف، و صفاء جواهر النفوس، كما تحمل الأودية من سيل
المطر بحسب سعتها و جريانها. ثم افهم أن لفظ القلب ليس هو قطعة لحم صنوبريّ الشكل،
المعلّقة من الصدر الموجود في أكثر الحيوانات. و ليس المراد من القلب هاهنا ذاك،
بل مراد إخواننا أمر وراء ذلك و هي النفس.
و اعلم يا أخي أن لفظ البعث اسم مشترك في اللغة العربية يحتمل ثلاثة
معان: فمنها قول القائل: بعثت يعني أرسلت، كما قال اللّه تعالى: «فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ»
يعني أرسلهم. و منها ما يكون معنى البعث هو بعث الأجساد الميتة من القبور، و نشر
الأبدان من التراب، كما وعد الكفار و المنكرين بقولهم:
«أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَ وَ
آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ» قال اللّه تعالى:
«قُلْ نَعَمْ»؛ و منها بعث النفوس الجاهلة من نوم الغفلة، و إحياؤها من موت
الجهالة، كما ذكر اللّه، جلّ ثناؤه، بقوله: «أَ وَ مَنْ
كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ
كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها.» و
قوله تعالى: «ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ.» و قوله لمحمد، صلى اللّه عليه و سلم:
«عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً».
و اعلم يا أخي أن من لا يوقن ببعث الأجساد، و لا يتصوّره، فليس من
الحكمة أن يخاطب ببعث النفوس، لأن بعث الأجساد يمكن تصوّره، و يقرب فهمه و علمه،
فأما من لا يقرّ به و لا يتصوّره، فهو لبعث النفوس أنكر و به أجهل، و من تصوّره
أبعد. لأن بعث النفوس هو من علم الخواصّ، و لا يتصوره إلّا المرتاضون بالعلوم
الإلهية و المعارف الربانية، و إنما وعد الكفار أن يبعث أجسادهم، ليوافقهم على
تكذيبهم، و يجازيهم بسوء أفعالهم. و وعد اللّه المؤمنين أن يحيي نفوسهم، و يبعث
أرواحهم، ليجازيهم على حسناتهم، و يثيبهم بأعمالهم. فلا تكن يا أخي ممن ينتظر بعث
الأجساد، و يؤمل نشر الأبدان، فإن ذلك ظلم عظيم في حقك إذا كنت تتوهم ذلك.