ثم اعلم أن من ابتلي بعشق شخص من الأشخاص، و مرّت به تلك المحن و
الأهوال، و عرضت تلك الأحوال، ثم لم تنتبه نفسه من نوم غفلتها، فيتسلى و يفيق؛ أو
نسي و ابتلي من بعد بعشق ثان لشخص آخر، فإن نفسه نفس غريقة في عمائها، سكرى في
جهالتها كما قيل:
ثم اعلم أن في الناس خواصّ و عوامّ، فالعوام من الناس هم الذين إذا
رأوا مصنوعا حسنا، أو شخصا مزيّنا، تشوّقت نفوسهم إلى النظر إليه، و القرب منه، و
التأمّل له. و أما الخواصّ فهم الحكماء الذين إذا رأوا صنعة محكمة، أو شخصا
مزيّنا، تشوّقت نفوسهم إلى صانعها الحكيم و مبدئها العليم، و مصوّرها الرحيم، و
تعلقت به، و ارتاحت إليه، و اجتهدوا في التشبه به في صنائعهم، و الاقتداء به في
أفعالهم، قولا و فعلا، و علما و عملا.
ثم اعلم أن النفوس الناقصة تكون قصيرة الهمم، لا تحب إلّا زينة
الحياة الدنيا، و لا تتمنى إلّا الخلود فيها، لأنها لا تعرف غيرها، و لا تتصوّر
سواها.
فأما النفس الشريفة المرتاضة فهي تأنف من الرغبة في الدنيا، بل تزهد
فيها، و تريد الآخرة و ترغب فيها، و تتمنى اللّحوق بأبناء جنسها و أشكالها من