عند المحبّ. و كما روي في الخبر عن موسى،
7، أنه نادى ربه فقال: «يا رب أين أجدك؟» فقال: «عند المنكسرة قلوبهم من
أجلي.» و قال 7: اعبد اللّه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
ثم اعلم أن رؤية أولياء اللّه تعالى، جلّ اسمه، ليست كرؤية الأشخاص،
و الأشباح، و الصور، و الأجناس، و الأنواع، و الجواهر، و الأعراض، و الصفات و
الموصوفات في الأماكن و المحاذيات، و لكن بنوع أشرف منها و أعلى، و فوق كل وصف
جسماني، و نعت جرماني، و هي رؤية نور بنور، لنور في نور من نور، كما قال اللّه
تعالى: «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، مَثَلُ نُورِهِ
كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ، الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ، الزُّجاجَةُ كَأَنَّها
كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ
وَ لا غَرْبِيَّةٍ» أي لا صورية و لا هيولانيّة.
ثم اعلم أن الغرض الأقصى من وجود العشق في جبلة النفوس و محبتها
الأجساد و استحسانها لها و لزينة الأبدان، و اشتياقها إلى المعشوقات المفتّنة، كلّ
ذلك إنما هو تنبيه لها من نوم الغفلة و رقدة الجهالة، و رياضة لها و تعريج لها و
ترقية من الأمور الجسمانية المحسوسة إلى الأمور النفسانية المعقولة، و من الرتبة
الجرمانية إلى المحاسن الروحانية، و دلالة على معرفة جوهرها، و شرف عنصرها، و
محاسن عالمها، و صلاح معادها، و كل ذلك أن جميع المحاسن و الزينة، و كل المشتهيات
من المرغوب فيها الذي يرى على ظواهر الأجرام و سطوح الأجسام، إنما هي أصباغ و
نقوش، و رسوم قد صوّرتها النفس الكلية في الهيولى الأولى، و زيّنت بها ظواهر
الأجرام و سطوح الأجسام، كيما إذا نظرت إليها النفوس الجزئية، جنّت إليها، و
تشوّقت نحوها، و قصدت لطلبها، بالنظر إليها، و التأمّل لها، و التفكر فيها، و
الاعتبار لأحوالها، كلّ ذلك كيما تتصوّر تلك الرسوم و المحاسن و النقوش في ذاتها،
و تنطبع في جوهرها، حتى إذا غابت تلك الأشخاص الجرمانية عن مشاهدة