في ذاتها هي المتمّمة لها، المكمّلة
لفضائلها، المبلغّة لها إلى أتم غاياتها، و أفضل نهاياتها عند باريها، جلّ ثناؤه،
كما قال تعالى: «فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ
مُقْتَدِرٍ».
ثم اعلم أن هذه الأحوال لا تليق بالنفس الشهوانية، و لا بالنفس
الغضبية، و لكن تليق بالنفس الناطقة إذا هي انتبهت من نوم الغفلة، و استيقظت من
رقدة الجهالة، و انفتحت لها عين البصيرة، و عاينت عالمها، و عرفت مبدأها و معادها،
و اشتاقت عند ذلك إلى باريها، و تاقت و حنّت إليه، كما يحنّ العاشق إلى معشوقه. و
إلى هذا أشار بقوله تعالى: «وَ الَّذِينَ آمَنُوا
أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ».
يعني من كل محبوب سواه.
ثم اعلم أن كل نفس، إذا أحبّت شيئا، اشتاقت و حنّت نحوه، و طلبته و
توجهت نحوه حيث كان، و لم تلتفت إلى شيء سواه، و لم تعرّج عليه كما قال الشاعر:
أحبّ
حبيبا واحدا لست أبتغي،
مدى
الدهر، عنه، ما حييت، بديلا
فإن
ظفرت كفي به فهو بغيتي،
و
إن فات، ما أبغي سواه خليلا
ثم اعلم أن كل محب لشيء من الأشياء، مشتاق إليه، هائم به، و أنه متى
وصل إليه و نال ما يهواه منه، و بلغ حاجته من الاستمتاع به و التلذذ بقربه، فإنه و
لا بدّ يوما من أن يفارقه، أو يملّه، أو يتغيّر عليه.
و تذهب تلك الحلاوة، و تتلاشى تلك البشاشة، و يخمد لهب ذلك الاشتياق
و الهيجان، إلّا المحبين للّه تعالى من المؤمنين و المشتاقين إليه من عباده
الصالحين، فإن لهم كل يوم من محبوبهم قربة و مزيدا أبد الآبدين، بلا نهاية و لا
غاية.
و إلى المحبّين لسواه، عز و جل، أشار بقوله:
«كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ
شَيْئاً.» ثم عطف نحو محبيه فذكر حالهم و كنى عن ذكرهم و إلى نحو ذكرهم فقال
تعالى: «وَ وَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ» يعني