الأشكال و المحاسن، و الزينة الموجودة في
الأشكال و الأجساد اللحمية، من الحيوان و الناس، و هي المحبوبة المرغوبة فيها،
المشتهاة المعشوقة عند أكثر الناس من البالغين العقلاء. فإذا ارتاضت نفوسهم في
العلوم الإلهية و المعارف الرّبّانيّة، ارتفعت نفوسهم أيضا عن هذه الصّور و
التماثيل المزوّقة الموجودة في اللحم و الدم إلى ما هي أشرف منها و أفضل، و هي
الصورة للنفوس ذوات الحسن و البهاء و الكمال و الجمال التي تراها النفوس الناطقة
الناجية في عالم الأرواح.
ثم اعلم أنه لما قصرت أفهام كثير من الناس عن تصوّرها، و قلّت
معرفتهم بها، رضوا بهذه الصورة و الأشباح الجسمية الجسدانيّة المؤلّفة من اللحم و
الدم، و الصّديد[1]، و اطمأنوا
إليها، و سكنوا إليها، و تمنّوا الخلود بها لنقص نفوسهم، كما ذكر اللّه تعالى: «رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها وَ
الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ.» و آيات كثيرة في
القرآن في هذا المعنى.
ثم اعلم يا أخي أنه مقرّر في طباع الموجودات، و جبلة النفوس، محبّة
البقاء، و الدوام السرمدي، على أتمّ الحالات، و أكمل الغايات. و أتمّ حالات النفس
الشّهوانية بأن تكون موجودة أبدا، تتناول شهواتها، و تتمتع بلذاتها التي هي مادّة
وجود أشخاصها، من غير عائق و لا تنغيص.
و هكذا من أتمّ حالات النفس الحيوانية أن تكون موجودة أبدا، رئيسة
على غيرها، قاهرة لمن سواها، منتقمة ممن يؤذيها من غير عائق و لا تنغيص.
و هكذا أيضا من أتم حالات النفس الناطقة أن تكون موجودة أبدا، مدركة
لحقائق الأشياء، متصوّرة لها، ملتذة بها، مسرورة فرحانة بلا عائق و لا تنغيص.
و إنما صارت النفوس الناطقة تلتذ بالعلوم و المعارف، لأن صور
المعلومات
[1] -الصديد: ماء الجرح الرقيق. او هو القيح المختلط
بالدم.