و منها محبة البرّ و الإحسان، و ما يقال
فيهما من المدح و الثناء، كأنه شيء مجبول في طباع البشر، مركوز في نفوسهم، لما
فيه من الحث على مكارم الأخلاق. و منها محبة أبناء الجنس و ما يسمّى العشق، و ما
يصف العشّاق من أحوالهم و أحوال معشوقهم، و ما يجدون في نفوسهم من الأفكار، و
الهموم و الأحزان، و الفرح و السرور، و النشاط، و ما يذكرون من الأخلاق الجميلة، و
الطرائق الحميدة، و ما يذمّون من الأخلاق المذمومة، و الأحوال المرذولة، قالوا: لو
لم يكن العشق موجودا في الخليقة، لخفيت تلك الفضائل كلّها، و لم تظهر، و لم تعرف
تلك الرذائل أيضا! فقد بان و تبيّن، إذا بما ذكرنا، أن المحبة و العشق فضيلة ظهرت
في الخليقة، و حكمة جليلة، و خصلة نفيسة عجيبة. ذلك من فضل اللّه على خلقه، و
عنايته بمصالحهم، و دلالة لهم عليه، و ترغيبا لهم فيما أمر به من المزيد.
و اعلم يا أخي أن محبوبات النفوس و معشوقاتها مفنّنة، و هي بحسب
مراتبها في العلوم، و درجاتها في المعارف. و ذلك أن النفس الشهوانيّة لا يليق بها
محبّة الرئاسة و القهر و الغلبة، و لا النفس الحيوانية يليق بها محبّة العلوم و المعارف،
و اكتساب الفضائل؛ و لا النفس الملكية يليق بها محبّة الأجساد و الكون مع الأجسام
اللحميّة و الدموية، بل الذي يليق بها محبّة فراق الأجساد، و الارتقاء إلى ملكوت
السماء، و السّيحان في سعة فضاء الأفلاك، و التّنسم من ذلك الرّوح و الرّيحان
المذكور في القرآن.
و من أجل هذا الذي ذكرنا من مراتب النفوس و ما يليق بها من
المعشوقات، أنّك لا تجد و لا ترى نفسا تحبّ و تعشق و تشتاق إلّا لأبناء جنسها، و
ما شاكلها من المحبوبات و المعشوقات. مثال ذلك أنفس الصّبيان و الناقصين من الناس،
فإنهم لا يحبون و لا يعشقون إلّا اللّعب و التماثيل المصوّرة و المزيّنة، المشاكلة
لمرتبة نفوسهم، فإذا عقلوا و تعلّموا و ارتاضوا، ارتفعت هممهم و شغلت نفوسهم
بغيرها مما هو أشدّ تحقيقا مما كانوا فيه. و هو الصورة من