اعلم أنه ليس من علم و لا عمل و لا تجارة إلّا و بين أهلها فيها
منازعة و خلف. فمن ذلك الخلف الذي بين العلماء في حدوث العالم و قدمه، و هما
طائفتان: الفلسفية و الشريعة. فالأنبياء، :، كلهم يرون و يعتقدون أن
عالم الأجسام محدث لا شك فيه. و هكذا يرى بعض الفلاسفة الفضلاء الراسخون في العلم.
فأما المتفلسفة الناقصون فشاكّون فيما يقولون، متحيرون فيما يزعمون من قدم العالم.
و هكذا حكم كثير من أتباع الأنبياء، :، و المقرّبين بما
خبرت به، فإنهم شاكّون أيضا فيما يقلّدون، و متحيّرون فيما يعتقدون. و أعيذك، أيها
الأخ الفاضل، بالله أن تكون منهم، لأن ما مثلهم في هذه الرسالة و ما يختلفون فيها
إلّا كمثل أولئك الصبيان الأغبياء البله الجهلاء. و ذلك أنه كان رجل حكيم له أولاد
صغار، و كان فيهم جماعة أذكياء فهماء نجباء، و كان فيهم جماعة أغبياء بله جهلاء،
فنظر أولئك الأخوة يوما في بعض خزائن أبيهم، فوجدوها مملوءة بالحلاوة، مختلفة
الطعام و الألوان و الروائح و الأشكال، فتأمّلوها و فكروا فيها، فوقع في أفكارهم
أن قالوا: أ لا ترى من عمل هذه العجائب، و صوّر هذه الأشكال، و من صنع هذه
الألوان؟
فمن كان منهم ذكيّا فهيما مدركا نجيبا، علم أنه عمل صانع حكيم.
و من كان منهم غبيّا أبله ساهيا، خفي عليه ذلك و انغلق.
ثم تفكر الذين علموا أنه صنعة الحكيم: أ ترى من أي شيء عملها، و بأي
شيء صوّرها؟
فمن كان منهم أذكى و أفهم، علم أنه من شيء آخر عملها. و من كان
دونهم في الفهم و الذكاء خفي عليه ذلك.
ثم تفكر الذين علموا أنه من أي شيء عملها: ترى كيف عملها، و لم