من طلب غذائها و مصالحها و منافعها و الهرب
من عدوها و عرفانها ذكرانها و إناثها و أبناء جنسها. فأما احساسها بأحوال حيوان
البر و معرفتها بأمورها، فليس لها إلى معرفة ذلك إلّا شيء يسير.
و هكذا علم حيوان البر بأحوال البشر و معرفتها بأمور الناس، فليس لها
إلّا شيء يسير.
و هكذا علم البشر بأحوال الملائكة، و معرفتهم بأمور الذين في فضاء
الأفلاك و طبقات السماوات، فليس لهم بها علم إلّا شيء يسير.
و هكذا أحوال الملائكة في مراتبها و مقاماتها متفاوتة متباينة،
الأوّل فالأوّل، و الأشرف فالأشرف، و فوق كل ذي علم عليم، و إلى ربك المنتهى كما
أخبر، عزّ و جل، عن أحوال الملائكة في مراتبها و مقاماتها فقال تعالى:
«قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ما كانَ
لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ»، و
قال في حكاية عن الملائكة: «وَ ما مِنَّا إِلَّا
لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَ إِنَّا لَنَحْنُ
الْمُسَبِّحُونَ» و قال: «ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ
إِلَّا هُوَ وَ ما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ»
يعني أجناس الملائكة و قبائل الجن و الإنس و الحيوانات أجمع.
ثم اعلم أن علم جميع الخلائق بالنسبة إلى علم اللّه تعالى ليس إلّا
كالجزء اليسير، كما قال تعالى: «وَ لَوْ أَنَّ ما فِي
الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ
أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ» يعني علم اللّه،
قال: «وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ». و نحن قد جعلنا هذه الرسالة تنبيها لإخواننا على نهاية مبلغ طاقة
الإنسان في العلوم و المعارف، و توبيخا لأقوام جهّال يعارضون العلماء بالكلام و
الجدال، و يسألونهم عن علل أشياء ليس في طاقة الإنسان معرفتها، و هم قد تركوا
البحث عن أشياء واجب عليهم تعلّمها و البحث عنها، ثم لا يسألون عنها و لا يتفكرون
فيها لجهلهم.