لها، لأنها أنقص حالا من الجسم، إذ كان لا
وجود لها إلّا بتوسط الجسم.
و أما الحياة و القدرة و العلم و ما شاكلها التي زعموا أنها أعراض
حالّة في الجسم، و بها يفعل هذه الأفعال- و هاهنا وقع اللّبس- فإنها ليست هي
أعراضا جسمانية، بل هي أعراض روحانية توجد في بعض الأجسام بمقارنة النفس إياها
لها، و تفقد عند مفارقتها إياها. فصح بهذا الاعتبار أن مع الأجسام الحيوانية جواهر
أخرى غير جسمانية، هي الفعّالة في الأجسام هذه الأمارات التي تظهر في بعضها دون
بعض، و سمّوها نفوسا. و لما رأوا أن النفوس تتفاضل بعضها على بعض بأمر آخر مؤيّد
لها، و مفيض عليها الخير و الفضائل، علموا أنه جوهر أشرف و أفضل من جوهر النفس، و
سمّوه العقل. و لما كان العقل هو المقرّ على نفسه بأنه مربوب، و له مدبّر خالق،
صانع حكيم نزّهه من جميع صفات النّقص، فحينئذ صح لهم، و بهذه الاعتبارات، ما قالوه
و وصفوه من مراتب هذه الموجودات الروحانية التي تقدّم وصفها و ذكرها، و هي الهيولى
الأولى، و النفس، و العقل، و الباري، جلّ ثناؤه.
و اعلم يا أخي أنه قد بان بما ذكرنا أن النفس الكليّة هي جوهرة
روحانية فاضت من العقل الذي أشارت إليه الفلاسفة، و أنها كالهيولى الموضوع له، لما
يفيض عليها من الصور و الفضائل و الخيرات لتكمل هي، و أنها كالصانع المصوّر للجسم
بما تنقش فيه من الصور و الأشكال لتتمّه بذلك.
و اعلم أن النفس الكلّية هي صورة فيها جميع الصّور، كما أن الجسم
الكلّي شكل فيه جميع الأشكال، غير أن الصّور في ذات النفس لا تتراكم و لا تتزاحم،
لأنها جوهرة روحانية لطيفة، حيّة، علّامة، فعّالة.
و أما الجسم فإن الأشكال تتراكم فيه و تتزاحم من أجل أنه جوهر غليظ،
كثيف، ميّت، جاهل، منفعل، كما بيّنّا في رسالة المبادي.