و مثل عجزه أيضا عن معرفة كيفية تصوير
الجنين في الرحم، و خلقة الفرخ في جوف البيضة، و الحب في الغلف، و الثمر في
الأكمام.
ثم اعلم أن هذه الأشياء التي تدرك حسّا مفروغ من صنعتها، فأما في وقت
تكوينها فالحس لا يدركها و الوهم لا يتصوّرها. فمن يريد أن يعلم كيفية حدوث العالم
و علّة كونه، فينبغي أن يتفكر أولا في هذه الأشياء، فيعلمها و يتصوّر كيفية
حدوثها، ثم بعد ذلك يتفكر في كيفية حدوث العالم و علة كونه. فمن ادعى أنه يعرف
ذلك، فليخبرنا عن صورة العالم كيف هي على ما هي عليه الآن، لأن حواسه هي تباشرها و
تشاهدها، ودع ما كان مضى مع الزمان الماضي لنسيانه عن ذلك، أو الذي يكون في الزمان
المستقبل كيف يكون. أو فليخبرنا عن علة كثرة الكواكب، و علة أبعادها و مقاديرها و
أعظامها و حركاتها، و ما هي عليه الآن، و ما العلّة في ذلك. أو فليخبرنا عن
المجرّة و ما هي، فإنا لم نجد إلى وقتنا هذا أحدا من الحكماء قد قال فيها قولا
مرضيّا، أو فليخبرنا عن شيء واحد و هو الأثر الذي نراه في وجه القمر ما هو، و
الناس يشاهدونه دائما، ودع ما لا يشاهدونه من كون العالم. أو فليخبرنا عن علة
اختلاف أجناس المعادن، و أشكال الناس، و هياكل الحيوان بما هي عليه الآن، و ما
العلة في ذلك.
فصل
ثم اعلم أنه ليس إلى معرفة علل هذه الأشياء وصول إلّا أن تؤخذ من
الأنبياء، :، تقليدا كما أخذوها عن الملائكة تسليما.
ثم اعلم أن نسبة علم البشر إلى علم الملائكة و معرفتهم، كنسبة علم
حيوان البحر إلى حيوان البر و معرفتها بأمورها، و كعلم حيوان البر إلى علم البشر و
معرفته بأمورها. و ذلك أن حيوان الماء لها حس و حركة و تمييز تتصرف فيها