و أما الجسم المطلق فعلّته الهيولانيّة هو
الجوهر البسيط الذي قبل الطول و العرض و العمق فصار بها جسما. و علّته الفاعليّة
هو الباري، عزّ و جلّ. و علته الصّوريّة العقل، لأن الطول و العرض و العمق إنما هي
صورة عقلية. و علته التّماميّة هي النفس، لأن الهيولى من أجلها خلق، و موضوع لها
لكيما تفعل فيه. و منه ما يعمل و يصنع ليتمّ الهيولى و يكمّل النفس الذي هو الغرض
الأقصى في رباط النفس مع الهيولى كما بيّنّا في رسالة المبادي.
و أما الهيولى الأولى الذي هو جوهر بسيط روحاني فله ثلاث علل:
الفاعلية و هو البارى، عز و جل، و الصّوريّة و هو العقل، و
التّماميّة و هي النفس.
و أما النفس فلها علتان، و هما الباري، عز و جلّ، و العقل. فالباري
علّتها الفاعلة المخترعة لها، و الصّوريّة هي العقل الذي يفيض عليها ما يقبل من
الباري، عزّ و جلّ، من الفضائل و الخير و الفيض.
و أما العقل فله علّة واحدة، فاعلة، الذي هو الباري، عزّ و جلّ، الذي
أفاض عليه الوجود، و التّمام، و البقاء، و الكمال دفعة واحدة بلا زمان.
أردنا بالعلّة الفاعلة أنه أبدعه بلا واسطة، فهذا العقل هو الذي أشار
إليه بقوله في كتابه على لسان نبيّه محمد، صلى اللّه عليه و سلم: «و ما أمرنا إلّا
واحدة كلمح بالبصر، أو هو أقرب.» و إليه أشار بقوله سبحانه:
«وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ، قُلِ. الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ
رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا.» و
قال: «أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ، تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ
الْعالَمِينَ» فالخلق هو الأمور الجسمانية، و الأمر هو الجواهر الروحانيّة.
و اعلم يا أخي أن أكثر أهل العلم ظنّوا أن الموجودات ليست إلّا نوعان
حسب: أحدهما الباري، عزّ و جل، و الآخر الجسم و ما يحلّه من الأعراض، و ليست لهم
خيرة بالجواهر الرّوحانيّة و الصّور المجرّدة. و من