فاعلم يا أخي أن الموجودات كلها نوعان: جسمانيّ و روحاني. فالجسمانيّ
ما يدرك بالحواس، و الروحاني ما يدرك بالعقل و يتصوّر بالفكر.
فأما الجسماني فهو على ثلاثة أنواع: منها الأجرام الفلكية، و منها
الأركان الطبيعية، و منها الموّلدات الكائنة.
و الروحاني أيضا على ثلاثة أنواع: منها الهيولى الأولى الذي هو جوهر
بسيط، منفعل، معقول، قابل لكل صورة. و الثاني النفس التي هي جوهرة بسيطة، فعّالة،
علّامة. و الثالث العقل الذي هو جوهر بسيط، مدرك حقائق الأشياء.
و أما الباري، جلّ و عز، فليس يوصف لا بالجسماني و لا الروحاني، بل
هو علّتها كلها، كما أن الواحد لا يوصف بالزوجية و لا الفردية، بل هو علة الأزواج
و الأفراد من الأعداد جميعا.
و اعلم أن الموجودات كلها علل و معلولات. فنبدأ أولا بذكر العلل
الجسمانية، لأنها أقرب لفهم المتعلمين، و أسهل على المبتدئين بالنظر في العلل و
المعلولات الروحانية.
و اعلم أن الموجودات الجسمانية، لكلّ واحد منها أربع علل: علّة
فاعلة، و علة صوريّة، و علة تماميّة، و علة هيولانية. مثال ذلك السرير، فإنه أحد
الموجودات الجسمانية، له أربع علل؛ فعلّته الفاعلة النّجّار، و الهيولانيّة الخشب،
و الصّوريّة التربيع، و التماميّة القعود عليه. و هكذا السّكيّن، فإن علّتها الفاعلية
الحدّاد، و الهيولانيّة الحديد، و الصّوريّة الشّكل الذي هو عليه، و التماميّة
ليقطع به اللحم أو الحبل أو شيء ما آخر. و على هذا القياس، إذا اعتبر، وجد لكل
شخص من الأجسام الموجودة هذه العلل الأربع.