بطلت صورة النبات، صار ترابا، أو نارا، أو
ماء، أو هواء. فإذا أطفئت النار صارت هواء، و الهواء أحد أجسام الطبيعة.
و على هذا القياس إذا انخلعت صورة من صور الأركان الأربعة، بطل أن
يكون موجودا ذلك الرّكن، و لكن لم يبطل أن يكون جسما، و إذا انخلعت الصورة الجسمية
من الهيولى الأولى، لم تبطل الهيولى أن تكون جوهرا بسيطا معقولا. و إن بطلت
الهيولى لم تبطل النفس. و إن بطلت النّفس لم يبطل العقل. و إن بطل العقل لم يبطل
المبدع الأول الذي هو الباري، جلّ و عز.
و مثال هذا من العدد أن العشرة هي صورة واحدة ترتبت فوق التسعة؛ فإذا
أسقط الواحد منها بطلت صورة العشرة، و لم تبطل صورة التسعة، و إن أسقط من التسعة
واحد، بطلت صورة التسعة، و لم تبطل صورة الثمانية. و على هذا القياس تنحلّ صورة
العدد واحدا واحدا، إلى أن ينتهي إلى الاثنين الذي هو أول العدد. و إذا أخذ منها
واحد، بطلت صورة الاثنين أيضا، و أما الواحد الذي هو قبل الاثنين فلا يمكن أن يؤخذ
منه شيء، لأن صورته من ذاته، و هو أصل العدد و منشؤه، و إليه يرجع العدد عند
التحليل، كما منه نشأ عند التركيب.
فقد بان بهذا المثال أن الموجودات كلها صور غيريّات، و هي أعيان
الأشياء، و أنها متتاليات في الحدوث و البقاء، كتتالي العدد من الواحد، و أنها
كلها من اللّه مبدأها، و إليه مرجعها، كما ذكر في كتابه على لسان نبيه فقال: «إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً.» و
قال: «وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ.» و
قال اللّه تعالى: «كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ»
كما أن العدد إلى الواحد ينحلّ، كما أن منه تركّب في الأصل، حسب ما بيّنا، كذلك
الموجودات كلها مرجعها و مصيرها إلى اللّه الواحد الأحد.