الباري، عز و جل، على العقل الذي هو أول
موجود جاد به الباري و أوجده، و هو جوهر بسيط روحاني فيه جميع صور الموجودات غير
متراكمة و لا متزاحمة، كما يكون في نفس الصانع صور المصنوعات قبل إخراجها و وضعها
في الهيولى، و هو فائض تلك الصور على النفس الكلية دفعة واحدة بلا زمان كفيض الشمس
نورها على الهواء. و أن النفس قابلة لتلك الصورة تارة، و فائضة على الهيولى تارة،
كما يقبل القمر نور الشمس تارة، و يفيض على الهواء تارة. و أن الهيولى قابلة لتلك
الصور من النفس الكلية شيئا بعد شيء على التدريج بالزمان، كما يقبل الهواء نور
القمر في وقت دون وقت، و من مسامتة دون مسامتة، كما يقبل التلميذ من الأستاذ شيئا
بعد شيء.
و اعلم يا أخي أن صور الموجودات كلّها يتلو بعضها بعضا في الحدوث و
البقاء عن العلة الأولى التي هي الباري، عز و جل، كما يتلو العدد أزواجه و أفراده
بعضها بعضا في الحدوث و النّظام عن الواحد الذي قبل الاثنين. ثم اعلم أن هذه
الألفاظ كلّها ألقاب و سمات يشار بها إلى الصور ليميّز بين إضافات بعضها إلى بعض،
كما يميّز بين الأعداد بالألفاظ، و ذلك أن الصورة الواحدة تارة تسمّى هيولى، و
تارة تسمّى جوهرية، و تارة تسمّى عرضية، و تارة بسيطة، و تارة مركّبة، و تارة
روحانية، و تارة جسمانية، و تارة علة، و تارة معلولة، و ما شاكل هذه الألفاظ، كما
يسمّى العدد الواحد تارة نصفا، و تارة ضعفا، و تارة ثلثا، و تارة ربعا، و تارة غير
ذلك لإضافة بعضها إلى بعض. مثال ذلك أيضا أن القميص هو أحد الموجودات الجسمانية
الصّناعية المدركة بالحسّ، و ماهيّته أنه صورة في الثوب، و الثوب هيولى لها. و ماهيّة
الثوب أيضا أنها صورة في الغزل و الغزل هيولى لها.
و الغزل أيضا ماهيّته أنه صورة في القطن و القطن هيولى لها. و القطن
أيضا ماهيّته أنه صورة في النبات و النبات هيولى لها. و النبات أيضا ماهيّته أنه
صورة في الأجسام الطبيعية التي هي النار و الهواء و الماء و الأرض، و كلّ