انتبهت من نوم الغفلة و رقدة الجهالة، و
نظرت بعين البصيرة إلى نور العقل، و استضاءت بضيائه، و تجمّلت ببهائه.
و اعلم يا أخي أن العقل اسم مشترك يقال على معنيين: أحدهما ما تشير
به الفلاسفة إلى أنه أول موجود اخترعه الباري، جلّ و عز، و هو جوهر بسيط روحاني
محيط بالأشياء كلّها إحاطة روحانية. و المعنى الآخر ما يشير به جمهور الناس إلى
أنه قوة من قوى النفس الإنسانية التي فعلها التفكّر و الرويّة و النّطق و التمييز
و الصنائع و ما شاكلها. فنريد أن نتكلم في هذه القوة، و نبيّن أقسامها، و نصف
أفعالها و كيفيّة إدراكها صور المعلومات في ذاتها و جوهرها.
و اعلم يا أخي أنه لما كان العقل الذي نحن في ذكره قوة من قوى النفس
الإنسانية هي أيضا قوة من قوى النفس الكلية، و النفس الكلية هي فيض فاض من العقل
الكلي الذي هو أول فيض فاض من الباري، جلّ و عز، و هي كلّها تسمّى موجودات أولية،
احتجنا أن نذكر أولا أقسام الموجودات و ما معنى الموجود، و معنى الوجود و العدم، و
طرق العلم بها.
و اعلم يا أخي أن لفظة الموجود مشتقة من وجد يجد وجدانا فهو واجد، و
ذاك موجود. فالموجود يقتضي الواجد لأنهما من جنس المضاف. و قد بيّنّا معنى جنس
المضاف في رسالة المنطق.
و اعلم أن كل واجد من البشر شيئا- إذا وجد شيئا- فإن وجدانه له لا
يخلو من إحدى الطّرق الثلاث: إما بإحدى القوى الحساسة، كما بيّنّا في رسالة الحاس؛
و إمّا بإحدى القوى العقلية التي هي الفكرة و الرويّة و التمييز و الفهم و الوهم
الصادق و الذّهن الصافي؛ و إما بطريق البرهان الضّروري كما بيّنا في رسالة البراهين
التي هي طريق الاستدلال، و ليس إلى الإنسان طريق إلى المعلومات غير هذه.
و أما معنى العدم فهو ما يقابل كلّ نوع من هذه الطرق الثلاث: فيقال