و أمتعة و أثاث و آلات و حوائج، يملكها كلها
ملك واحد، له في تلك المدينة جيوش و رعية و غلمان و حاشية و خدم و أتباع، و حكمه
جار في رؤساء جنده و أشراف مدينته و تنّاء[1]
بلده. و حكم أولئك الرؤساء و الأشراف و التّنّاء جار في أتباعهم، و حكم أتباعهم
فيمن دونهم إلى آخره. و إن ذلك الملك يسوس تلك المدينة و أهلها على أحسنها من
مراعاة أمورهم واحدا واحدا، صغيرهم و كبيرهم، أولهم و آخرهم، لا يخلّ بواحد منها.
فهكذا يجري حكم النفس الكلية في جميع أجزاء العالم من الأفلاك و
الكواكب و الأركان و الموّلدات و المركبات و المصنوعات على أيدي البشر كجريان حكم
ذلك الملك على تلك المدينة. و كذلك يسري حكمها في الأنفس البسيطة و الجنسية و
النوعية و الشخصية في تصريفها لها و تحريكها، و تدبيرها للموجودات الجسمانية و
أجناسها و أنواعها و أشخاصها، صغيرها و كبيرها، و أولها و آخرها، و ظاهرها و
باطنها.
ثم اعلم أن مثل النفس الكلية كجنس الأجناس، و الأنفس البسيطة
كالأنواع لها، و الأنفس التي دونها كنوع الأنواع، و الأنفس الجزئية كالأشخاص مرتّبة
بعضها تحت بعض كترتيب العدد. فالنفس الكلية كالواحد، و البسيطة كالآحاد، و الجنسية
كالعشرات، و النوعية كالمئات، و الأنفس الجزئية الشخصية كالألوف، و هي التي تختص
بتدبير جزئيات الأجسام، و الأنفس النوعيّة مؤيّدة لها، و الجنسية مؤيّدة للنوعية،
و النفوس البسيطة مؤيّدة للجنسية. و النفس الكلية التي هي نفس العالم مؤيّدة
للنفوس البسيطة، و العقل الكليّ مؤيّد للنفس الكلية، و الباري، جل ثناؤه، مؤيّد
للعقل الكلي، فهو مبدعها كلها و مدبّر لها من غير ممازجة لها و لا مباشرة، فتبارك
اللّه أحسن الخالقين.
[1] -التنّاء: جمع تانئ و هو الدهقان أي زعم الفلاحين.