حكم العالم في جميع موجوداته كمجرى حكم
شريعة واحدة فيها مفروضات كثيرة، و لتلك المفروضات سنن مختلفة، و لتلك السّنن
أحكام متباينة، و لتلك الأحكام حدود متغايرة يجمعها كلّها دين واحد لأهله مذاهب
مختلفة، و لكل أهل مذهب مقالات متغايرة، و تحت كل قالة أقاويل كثيرة مفنّنة. و من
وجه آخر حكم العالم و مجاري أموره من فنون تركيب أفلاكه، و اختلاف حركات كواكبه، و
استحالة بعض أركانه إلى بعض، و تولّد اختلاف الكائنات المختلفة الأشكال و افتنان
أجناس نباته و فنون جواهر معدنه، و سريان قوى النفس الكلية في هذه الأجسام، و
تحريكها إياها، و تدبيرها لها و بها و منها، كمجرى حكم دكّان لصانع واحد، و له فيه
أدوات و آلات مختلفة الصور، و له بها و منها أفعال و حركات مفنّنة، و مصنوعاتها
مختلفات الصور و الأشكال و الهيئات، و قوة نفسه سارية فيها كلّها، و حكمه جار
عليها بحسب ما يليق بواحد واحد منها. و من وجه آخر مجاري أحكام الموجودات
الجسمانية في العالم، مع اختلاف صورها و أعراضها و منافعها للنفس الكلية، كمجرى
حكم دار فيها بيوت و خزائن، و في تلك الخزائن آلات و أوان و أثاث لرب الدار، و له
فيها أهل و خدم و غلمان، و حكمه جار فيها و فيهم جميعا، و تدبيره لهم منتظم على
أتقن ما تقتضيه السياسة الربّانية و العناية الإلهية. و من وجه آخر حكم العالم
الذي هو إنسان كبير، و مجاري أموره في الأجسام الكليات و البسائط و الموّلدات و
المركّبات الجزئيات و ارتباط بعضها ببعض، و إحاطة بعضها ببعض من تركيب أفلاكه و
نظام كواكبه، و مقادير أجرامها، و ترتيب أركانه و استحالاتها، و قرار معادنه و
اختلاف جواهرها، و أنواع نباته و ثبات أصولها، و حركات حيوانه و تصرّفها لمعايشها،
و سريان قوى النفس الكلية من أولها إلى آخرها، كحكم مدينة حولها أسوار، و في
داخلها محال و خانات و نواح، فيها شوارع و طرقات و أسواق، في خلالها منازل و دور،
فيها بيوت و خزائن، فيها أموال