ثم اعلم أيها الأخ كما أن في تلك المدينة
رجالا و نساء و مشايخ و شبانا و صبيانا، فمنهم أخيار و أشرار، و علماء و جهّال، و
مصلح و مفسد، و أقوام مختلفو الطباع و الأخلاق و الآراء و الأعمال و العادات،
فهكذا في العالم الكبير نفوس كثيرة، بسيطة كلّية و جزئية، مختلفات الحالات: فمنها
نفوس علّامة خيّرة فاضلة، و منها نفوس علّامة شرّيرة رذلة، و منها جاهلة شرّيرة، و
منها جاهلة غير شريرة.
فالنفوس العلّامة الخيّرة الفاضلة هي أجناس الملائكة، و صالحو
المؤمنين، و العلماء من الجن و الإنس. و العلّامة الشريرة مردة الشياطين، و سحرة
الجن، و الفراعنة و الدجّالون من الناس. و الجاهلة الشريرة أنفس السباع الضارية، و
الجهّال الأشرار من الناس. و الجاهلة غير الشريرة أنفس بعض الحيوانات السليمة
كالغنم و الحمام و غيرها من الحيوان.
فصل
إن أجساد بعض الحيوانات حبوس لنفوسها و مطامير لها، و بعضها صراط
يجوزون عليه، و بعضها برزخ إلى يوم يبعثون، و بعضها أعراف لها هم عليها واقفون. و
قد بيّنّا هذه المعاني في رسالة أخرى. و كما أن لأهل تلك المدينة، فيها مساجد و
بيع و صلوات[1]، و لأهل
العلم و الدين فيها مجالس و جماعات و أعياد و صلوات، فهكذا يجري في فضاء الأفلاك و
سعة السماوات للملائكة جموع و تسابيح و دعوات كما ذكر اللّه تعالى: «يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ» و قال اللّه تعالى: «وَ تَرَى
الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ» و كما أن في تلك المدينة لأهلها فيما حبوس