مهين، لان من الحيوانات ما هو أقوى منه
كالأسد، و منها ما هو أضعف منه كالحيوانات الصغار.
و هكذا حاله في الجهل و العلم متوسط، فلا هو راسخ في العلم
كالملائكة، و لا هو جاهل مهمل كالبهائم.
و هكذا حال معلوماته متوسط المقدار بين الطّرفين. و ذلك أن الإنسان
غير محيط بالأشياء المفرطة الكثيرة كتضاعف العدد الكثير، و هو مدرك للأشياء
القليلة كالجزء الذي لا يتجزأ الذي هو في جذر العشرة و ما شاكله.
و هكذا حال قدرته على الموزونات، فإنه لا يمكنه وزنها إلّا المتوسّط
منها بين الثقيل المفرط الثّقل كالجبال، و بين الخفيف النزر الخفة كالذرة.
و هكذا حال قدرته على مساحة الأبعاد و المقادير، لا يقدر على مساحة
إلّا المتوسّط منها بين الواسع المفرط السّعة كالبراري و البحار، و بين الضيق
اللطيف كجرم الإبرة و جرم الخردلة.
و هكذا حال قوة حواسّه على إدراك المحسوسات، فلا يحس منها إلّا
المتوسطات بين الطرفين. و ذلك أن القوة الباصرة لا تقوى على إدراك الألوان في
الظلمة الظّلماء، و لا على إدراكها في النور الباهر كالنّظر إلى عين الشمس في نصف
النهار في يوم الصيف.
و هكذا قوة السمع لا تطيق استماع الصاعقة لشدتها و جلالتها، و لا
تقوى أيضا على إدراك دبيب النملة لخفائفها و خمولها.
و هكذا القوّة الذائقة و القوة الشامّة و القوة اللامسة لا تقوى على
إدراك محسوساتها إلّا المتوسطات منها، و ذلك أن الحرّ المفرط و البرد المفرط
يفسدان المزاج و يخرجانه عن الاعتدال.
و هكذا الطّعم المفرط، و هكذا الرائحة المفرطة يفسدان آلات الحواس، و
يغيران المزاج و الاحساس، و هذا يكون من اعتدال المزاج. و قد بيّنّا في رسالة لنا
كيفية إدراك الحواس لمحسوساتها واحدا، واحدا، فاعرفه من هناك.