اعلم يا أخي أن الباري تعالى لما أبدع الموجودات، و اخترع المخترعات،
رتّبها و نظّمها و جمعها كلّها في فلك واحد محيط بها من كل الجهات، كما ذكر سبحانه
و تعالى بقوله: «وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ».
فصل
اعلم أن الفلك المحيط كريّ الشكل، مستدير مجوّف، و سائر الأفلاك في
جوفه مستديرات محيط بعضها ببعض كحلقة البيض و البصل، و هي إحدى عشرة أكرة، و الشمس
هي في أوسط الأكر: خمس من فوق أكرتها، و خمس من دون أكرتها، فالتي فوق أكرتها أكرة
المرّيخ، ثم أكرة المشتري، ثم أكرة زحل، ثم أكرة الكواكب الثابتة، ثم أكرة المحيط،
و التي دون أكرتها أكرة الزّهرة، ثم أكرة عطارد، ثم أكرة القمر، ثم أكرة الهواء،
ثم أكرة الأرض التي هي المركز، و هي ليست مجوّفة، و لكن متخلخلة لكثرة المغارات و
الكهوف و الأهوية. و أما الكوكب فإنه أكريات مصمتات[1]
مستديرات كما بيّن في المجسطي بقياس هندسي.
و اعلم يا أخي أن الباري، جلّ ثناؤه، جعل شكل العالم كريّا، لأن هذا
الشكل أفضل الأشكال الخمسة من المثلثات و المربعات و المخروطات و غيرها، و هو أيضا
أوسعها مساحة، و أسرعها حركة، و أبعدها من الآفات، و أقطاره متساوية، و مركزه في
وسطه، و يمكنه أن يدور في مكانه و لا يماسّ غيره إلا على نقطة و أجزاء متقاربة، و
يمكنه أن يتحرّك مستديرا مستقيما، و لا يمكن أن توجد هذه الخصال و الصفات في غيره.
و قسم الفلك