اثني عشر قسما، لأن هذا العدد زائدة أجزاؤه
أكثر من كله، فقد تبين مما ذكرنا أن هذا الشكل الأكريّ أفضل الأشكال، و أن الباري،
عز و جل، يفعل الأحكم و الأتقن، فنتج من هاتين المقدّمتين أن شكل العالم مستدير، و
إنما اقتضت الحكمة الإلهية و العناية الرّبّانية أن جعل الباري، جل ثناؤه، شكل
العالم كريّا مستديرا، و الأفلاك و الكواكب كذلك، لما تبيّن من فضل هذا الشكل على
سائر الأشكال الخمسة. و جعل أيضا حركات الكواكب و الأفلاك كريّة مستديرة، و ذلك أن
كل كوكب من السبعة يدور في فلك صغير يسمى أفلاك التداوير. و تلك الأفلاك الخارجة
المراكز تدور في سطح فلك البروج المحيط بسائر الأفلاك. و هذا الفلك المحيط أيضا
يدور حول الأرض في كل أربع و عشرين ساعة دورة واحدة من المشرق إلى المغرب فوق
الأرض، و من المغرب إلى المشرق تحت الأرض مثل الدولاب.
فلو لم تكن الأرض و الفلك و كواكبه كريات مستديرات، لما استوى هذا
الدوران، و لما استمرت حركات كواكبه على ما ذكرنا و بيّنّا في هذا الوصف. و إذ قد
تبين مما ذكرنا أن العالم كريّ الشكل مستدير، فنريد أن نبين أيضا أن تصاريف أموره
الجزئيات أيضا مستديرة. فمن ذلك أن الأرض، بما عليها من البحار و الجبال و البراري
و الأنهار و العمران و الخراب، أكرة واحدة، و الهواء محيط بها من جميع جوانبها و
فلك القمر محيط بالهواء. كذلك أن شكل الجبال على بسيط الأرض كلّ واحدة قطعة قوس من
محيط الدائرة. و كذلك شكل الأنهار و الأودية و محيط الأقاليم كلّ واحد قطعة قوس من
محيط الدائرة. و هكذا حكم جريان مياه الأنهار، فإنها تبتدئ من الأنهار في جريانها
نحو البحار و تسقي القرى و السوادات[1] و ينصبّ
[1] -السوادات: جمع السواد، و هو المكان الذي يكثر شجره
و زروعه كسواد العراق.