ففي كون هذه الموجودات على هذه الأعداد
المخصوصة دلالة لمن كان له عقل راجح، و فهم دقيق، و فطنة بأن للّه تعالى ملائكة هم
صفوته من خلقه، و خيرته من بريّته، إليهم تقع الإشارة بهذه الموجودات المقدّمات
المخصوصات، خلقهم لحفظ عالمه، و جعلهم سكان سماواته، و مدبّري أفلاكه، و مسيّري كواكبه،
و مربّي نبات أرضه، و رعاة حيوانه. منهم السفراء بينه و بين أنبيائه من بني آدم،
فمنهم يقع الوحي و النّبوّات، و هم ينزلون بالبركات من السماوات، و يعرجون بأعمال
بني آدم و بأرواحهم، و إليهم أشار في أكثر أحكام الشريعة و مفروضات سننها مثل
الصلوات الخمس، و الزّكاة الخمس، و الطهارة الخمس، و شرائط الإيمان الخمس. و بنى
الإسلام على خمس. و الفضلاء من أهل بيت النبوّة خمسة. و مراقي منبر النبوّات خمس.
و فرائض الحج خمس. و الأيام المعدودات بمنى و عرفات خمسة.
و الحروف المستعملة في أوائل سور القرآن من واحد إلى خمسة.
و كل هذه المخمّسات إشارات و دلالات على خمسة من الملائكة، مع كل
واحد منهم خمسة آلاف من الملائكة، إلى خمسين ألفا، إلى خمس مائة ألف، و ما زاد
بالغا ما بلغ. و إليهم أشار في عدّة آيات من سور القرآن مثل قوله: «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ». «وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ» و قوله تعالى: «وَ ما مِنَّا إِلَّا
لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَ إِنَّا لَنَحْنُ
الْمُسَبِّحُونَ».
و إلى الخمسة الفاضلة من الملائكة أشار النبي، صلى اللّه عليه و سلم،
بقوله:
«حدثني جبريل، 7، عن ميكائيل عن إسرافيل عن اللوح عن
القلم».
فقد تبين مما ذكرنا معنى قول الحكماء الفيثاغوريين إن الموجودات بحسب
طبيعة العدد.