الشمس لها دائما، و تسكينها لركن الأرض
بمعاونة قوة زحل لها دائما، و تحليلها لركن الماء بالسيلان بمعاونة قوة المشتري
لها دائما؛ و تلطيفها لركن الهواء بمعاونة قوة المرّيخ لها دائما؛ و تقطيرها لركن
البخار الرّطب بمعاونة قوة الزّهرة لها دائما؛ و تمزيجها لركن البخار اليابس
بالبخار الرّطب بمعاونة قوة عطارد لها دائما؛ و إمدادها للمولّدات بركن العصارات
بمعاونة ركن قوة القمر لها دائما.
فصل
و اعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، أن أول
فعل هذه القوى، أعني الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة، في تكوين المعادن
صنعة الزّئبق و الكبريت، و ذلك أن الرطوبات المحتقنة في باطن الأجسام الأرضية و
البخارات المحتبسة فيها، إذا تعاقب عليها حرّ الصيف و حرارة المعدن، لطفت و خفت و
تصاعدت علوا إلى سقوف تلك الأهوية و المغارات، و تعلقت هناك زمانا. فإذا تعاقب
عليها برد الشتاء، غلظت و جمدت و تقاطرت راجعة إلى أسفل تلك الأهوية و المغارات، و
اختلطت بتربة تلك البقاع، و مكثت هناك زمانا طويلا. و حرارة المعادن دائما تعمل في
إنضاجها و طبخها و تصفيتها، فتصير تلك الرطوبة المائية، بما يختلط بها من الأجزاء
التّرابية و ما تأخذ من ثقلها و غلظها بطول الوقت و إنضاج الحرارة لها، زئبقا رطبا
ثقيلا؛ و تصير تلك الأجزاء التّرابية التي في أسفل المعادن، بما يمازجها من
الرطوبة الدّهنية و إنضاج الحرارة لها، كبريتا محترقا. فإذا اختلط الزئبق و
الكبريت مرة ثانية و تمازجا- و التدبير بحاله- تركب من امتزاجهما أجناس الجواهر
المعدنية و أنواعها: مثال ذلك في تركيب الجواهر الذائبة، أن الزّئبق إذا كان
صافيا، و الكبريت إذا كان نقيّا، و اختلطا