اعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، أن للنفس
الكلية التي هي فوق الفلك المحيط قوة مختصة سارية في جميع الأجسام التي دون فلك
القمر و هي مدبّرة لها، متصرفة فيها، مظهرة بها و منها أفعالها، و يسمّيها
الفلاسفة و الأطباء طبيعة الكون و الفساد، و يسميها الناموس ملكا من الملائكة، و
هي نفس واحدة، و لها قوى كثيرة منبثّة في جميع أقسام الحيوان و النبات و المعادن و
الأركان الأربعة من لدن فلك القمر إلى منتهى مركز الأرض.
و ما من جنس و لا نوع و لا شخص من هذه الموجودات إلّا و لهذه النفس
قوّة مختصة به، مدبّرة له، مظهرة به و منه أفعالها، و إن تلك القوة تسمى نفسا
جزئيّة لذلك الشخص.
فصل
اعلم أن أول قوة لهذه النفس في هذه الأركان، التي هي النار و الهواء
و الماء و الأرض، هي الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة. و أن أول أفعال هذه
القوى في هذه الأسطقسات[1] هو التحريك
و التسكين، و التبريد و التسخين، و التحليل و التجميد، و التصعيد[2]
و التقطير، و الخلط و المزج، و التأليف و التركيب، و التصوير و التنقيش و التصبيغ
و ما شاكلها. و كل ذلك بفعل هذه القوى في هذه الأسطقسات بمعاونة قوى الأشخاص
الفلكية لها، بإذن اللّه تعالى. مثال ذلك تحريكها لركن النار لتسخين العالم
بمعاونة قوة
[1] -الاسطقسات: أي الأركان الأربعة، و اللفظة يونانية
معربة تعني العناصر أو الاصول.